السلام عليكم
للأمانة هذا "المقال الفني" للصديق ذ.محمد بلعربي طلب مني نشره،فأحببت أن أمد به الإخوة والأخوات في موقع دفاتر ،لكم مقال هذا الصديق :
تتملكني رهبة كبيرة وأشعر بفرح طفولي يغمرني كلما صادفت ملحقا ثقافيا في جرائدنا الوطنية ..أسحبه بتؤدة من عمق الصفحات كجوهرة ثمينة ،ثم ألتهمه بعشق والتذاذ، كنت دائما أتساءل عن سر هذا الحب والإعجاب ،عن لغز هذا الجمال الخلاب الذي تعبق به السطور..توالت الأسابيع ومعها الملاحق فازداد عشقي للكلمات وأصبحت متعة القراءة لا تضاهيها أية متعة ،حينها فقط أدركت تورطي في عالم سحري يستمد مجده من صدق الأحاسيس وعمق الرؤى ،عالم لا يرتكن للقيود ،شغله الشاغل بناء فني شامخ تستكين إليه النفوس . هذا ما جنيناه بكل اعتزاز من أساتذتنا الأجلاء حين لقنونا دروسا في المقالة وبلاغة القول ،والدقة العلمية في تناول الموضوعات .ترددت كثيرا في الحقيقة قبل كتابة هذه السطور ،لكنني وجدت نفسي أخوض هذا الغمار مضطرا بعد لعنة أصابتني وأنا أتصفح ملحقا تربويا لإحدى الجرائد الوطنية ليس فيه من التربية إلا العناوين الفارغة والتحليلات السطحية، هذه الأخيرة باتت تتناسل وتتنافس في نقل الأوهام بلغة كرنفالية مقيتة تصب لؤمها على المدرس .
فقد صار لكل من هب ودب عمودا في ركن هذه الجريدة لا ينازعه فيه منازع، ولا يمتطيه إلا حقود عليم بأمور التنكيل والسب . لست بهذه المقدمة أشن غارة على أقلام اختارت لنفسها الوفاء الصحفي والدقة العلمية في بناء الأحداث وتناول المواضيع، بل أحاول فقط أن أدلي بدلوي بما أوتيت من معرفة في هذا المضمار المتشعبة سراديبه .ميدان لا تسعفني في الحقيقة ثقافتي المتواضعة على الخوض في حيثياته والغوص في فلسفاته، فهذا شأن الباحثين من ذوي الاختصاص ،لكنني ورغم ذلك سأتناول ولو بإيجاز جانبا يبدو أنه يستحق الوقوف والتمحيص، إنه المدرس، أو بالأحرى رجل التربية والتعليم .أسائل نفسي أين صوته من هذه الزوبعة التي لا ترحم؟ أين كيانه وسط ثقافة باتت تلاحق الأوهام ولا تعترف بوجوده إلا كمخرب ومعرقل للعملية التعليمية التعلمية- هذه المهمة النبيلة-. أين هو من هذا وذاك؟ ألم يستشط غضبا بما تخطه أقلام الصحافة بكل أنواعها خصوصا في الآونة الأخيرة حين باتت تحمله كل مسؤوليات الفشل .ألا يجدر بالصحافي الذي يحترم نفسه أن يولي بعض الاهتمام لما يكتب . أليس من واجبه الالتزام بالموضوعية والدقة العلمية؟ أين المعطيات الدقيقة التي تؤسس صرح العمل ؟ أكيد أن الكتابة تحت الطلب غالبا ما تسفر عن أزمة في التواصل وتسرع في استنتاج الأحكام الجاهزة ، كيف يعقل أن يستهل الصحافي والخبير بشؤون الخبر موضوعه ب _: سمع فلان فلانا يقول: جاب الله واحد العطلة نمشيو فيها لإفران – ثم يشرع في بناء اللعبة التي تستبيح كرامة الأستاذ .فيصبح الإضراب نزهة في ربوع الأطلس ومضيعة لوقت التلاميذ.إنه التبرير العقلاني ذاته الذي يلاحقنا مع الأسف وبينه وبين التفكير العقلاني ما بين السماء والأرض. هناك في الربوع الخالية خلف التلال المنسية والجبال العاتية رجال يحملون الفوانيس ويجوبون البقاع لأداء مهماتهم النبيلة بكل تفان.. يسلكون المنعرجات ويقطعون الوديان الجارفة .. يتألمون في صمت لكنهم يصمدون وسرعان ما يتلاشى كل التعب بمجرد رؤية هؤلاء البراعم وهم يتوافدون بوجوههم البريئة من كل الجهات متعطشين ملهوفين لاستقبال يوم جديد بكل ما يحمله من مفاجآت . لكن ومع كل الأسف لايجد هؤلاء المناضلون أمامهم ولو كلمة جميلة ،ولو كتابة مشرفة تعلن بحرية وبكل جرأة عن مكامن الخلل في منظومتنا التربوية التي لاشك أنها في أمس الحاجة لأقلام حقيقية تنقب ..تبحث وتثابر في عملها لتساهم في بلورة رأي عام يستطيع النفاذ إلى عمق الأشياء عوض ملاحقة المعلمين والأساتذة في المقاهي بالثرثرة والسخرية اللاذعة .
ذ محمد بلعربي