رحلــة في الشارع الطويـــــــل
عبرا لشارع الطويل ،الطويل ؛الطويل؛كنت امشي وحدي مساءا بخطى مثقلة بتعب النهار.قلت..لا باس البطء في الخطو يمنحني فرصة التحديق في ما يجري على قارعة الطريق.-فتيات كاسيات عاريات مائلات مميلات كأنهن تبحثن عن نشوة المساء. –فتية ماضون في كل الإ تجاهات يتبا هون بآخر ما جد في عالم الموضات المقيتة في نظرمن هم أمثالي من جيل الستينات .
-مقاهي مصطفة امتلا ت كراسيها عن الآخر بمن يبحثون عن أماكن لقتل الوقت متناسين أن الوقت هو الذي يقتل...
فجأة خطف بصري منظر امرأة بئيسة تجلس على الرصيف أمام مؤسسة مالية تحتضن رضيعن؛وعلى يمينها تجلس طفلة مشعتة الشعر تسيل دموعها ومخاط انفها .تعمدت المرأة وهي ترتدي كسوة بيضاء أن تضع أمامها رضاعة مليئة بالحليب إلى ثلثها وأخرى فارغة تماما , كأنها تريد أن تقول في صمـــــت ......
انقدوني بقطرة حليب ؛ مدوا لي يد المســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــاعدة .
في دواخلي تساءلت بتنهد وقلت..الله يستر , أهدا بدافع الاحتراف أم بدافع الحاجة ؟
حاولت بكل جهدي ألا ترسم هده الصورة البئيسة علىداكرتي المثقلة بهذا النوع من الصور . أخرجت ثلاث دريهمات من جيبي ووضعتها في يد المرأة دون
النظر إليها واستأنفت خطاي ,وماهي إلا عشرات الخطوات حتى ووجدت محلبة عصرية كتب على مدخلها <هذا من فضل ربي>.وعلى لوحة زجاجيــــــــة بالداخل كتب..<كولوا واشربوا هنيئا لكم...>.حاولت الدخول إليها لاحتسي عصيرا ماعلني اطفي به عطشي؛ فوجدت ثلاث عجوزات شحيبات الوجــــــــــوه
كئيبات , ترتدين ألبسة رثة صنعت من رقع مختلفة ألوانها تؤرخ لفترات متباينة من زمن حياتهن البئيسة . اتفقت العجوزات على أن ترددن بنبرة حزينــة
عبارة.. < امرضي الوالدين الله يرحم الوالدين > < امرضي الوالدين الله يرحم الوالدين > ؛دون ملل أوكلل لعلهن تظفرن بعطف المحسنـــــــــــــــــــــين .
امتنعت عن الدخول إلى الحلبة التي تثير أذواق الناظرين بما علق على مدخلها من أنواع الفواكه وعناقيد الموز المتدلية . حاولت مجددا ألا تتقل هذه الصورة ذاكرتي وأخرجت ثلاث دريهمات أخرى وو ضعتها بحياء على فراش وضعته العجوزات أمامهن للإ سترزاق .ومضيت هذه المرة إلى حال سبيلي بخطى
شعرت بالتبول ؛تذكرت وجود حانة في الاتجاه الذي أسير صوبه , قررت الدخول إليها لأفرغ ما أستشعر به . وعند آخر درج بالسلم الذي. متسارعة
يأوي إلى الكهف السفلي من الحانة سالت دموعي من شدة عجعجة أدخنة منبعثة من فوهة المدخل , استطعت اختراقها متسللا إلـــــــــــــى المراحيض.وبعد قضاء حاجتي,قررت الجلوس لأستريح قليلا على كرسي في زاوية يمكنني النظر من خلالها إلى باقي الزوايا لآخذ صورة معبرة عما بداخل هذه الحانة المتبقية من مخلفات الاستعمار . وجدت نفسي أمام صورة قاتمة نعكس مشهدا حزينا. عنا قات حزينة, وجوه كئيبة, ضجيج وصيحات وآهـــات
كراسي تجلس على الكراسي وحانة تمتلئ بالحزن وضبط النفس .شعرت بالاختناق من شدة الازدحام والأدخنة, أسرعت للخروج متخفيــــا مستشعرا اللعنة التي تنزل على من يدخل هذه الحانات وقلت..لن ادخلها هذه المرة ولو تبولت على سروالي.
قررت ألا استأنف الرحلة في هذا الشارع الطويل فلربما أصادف صورا أكثر قتامه مما سبق قدتتقل ذاكرتي المتعبة مــــن مثل هــــــــــذه الصور المثيرة .رجعت إلى منزلي متكتما عما شاهدته من صور بئيسة في رحلتي عبرهذا الشارع الطويل .حاولت تناسي كــــــــل شيء أبصرته .لكن عندما أردت الاستسلام إلى النوم استشعرت مجددا ما شاهدته, فا ستعصى علي النوم.قاومت بكل قواي تذكر تــــلك الصور المليئة بالشؤم, لكن بدون جدوى, فاستنهضت من فراشي لأكتب عما شاهدته.وعندما أنهيت الكتابة عما تراءى إلي من صــــور استسلمت في النهاية إلى نوم عميق أنساني كل شيء.............../ خريف 2008 /توقيع ابن الحبيب سميح