الحكومة المغربية تريد السلم الاجتماعي من النقابات
تحاول حكومة عبد الإله بنكيران كسب ود المركزيات النقابية قصد تحقيق السلم الاجتماعية، في ظل الوضعية الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المغرب، والتي زاد من حدتها ضعف المنتوج الفلاحي بسبب قلة التساقطات المطرية، وتشبّث النقابات باتفاق ابق يقضي بالرفع في الأجور.
اصطدمت الحكومة المغربية خلال محاولتها جس نبض المركزيات النقابية في اجتماع لجنة القطاع العام للحوار الاجتماعي، الذي عقد الثلاثاء الماضي، بتشبث النقابات بتنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 نيسان/ أبريل 2011، الذي اعتبرته مفتاح مستقبل الحوار بين الطرفين.
ومن بين ما ينص عليه هذا الاتفاق، بالنسبة للقطاع العام، الرفع بـ 600 درهم (70 دولارا) صافية من أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات المحلية، ورفع الحد الأدنى للمعاش من 600 درهم (70 دولارا) المطبق حاليا إلى 1000 درهم (117 دولار)، والرفع من نسبة حصيص الترقي إلى 33 في المائة على مرحلتين، والمراجعة الشاملة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وإصلاح منظومة الأجور.
وستكون الحكومة، يوم الخميس المقبل (19 نيسان/ أبريل 2012)، أمام محطة حاسمة لتأكيد قدرتها على نزع فتيل "قنبلة الدخول الاجتماعي الموقوتة"، التي بدأت تلوح مؤشرات على انفجارها في أي لحظة بعد تهديد مسؤول حكومي بالاقتطاع من أجور مضربين في أحد القطاعات، وهو ما لم تتقبله الأوساط النقابية.
وتتزامن هذه التطورات مع قرب احتفال الشغيلة بيومها العالمي، الذي يصادف الأوّل من أيار/ مايو من كل سنة.
وقال سعيد صفصافي، الذي حضر ضمن وفد نقابة الاتحاد المغربي للشغل، إن الجلسة الثانية من الحوار الاجتماعي ستستمع خلالها المركزيات لرد الحكومة، قبل أن تتخذ الموقف النهائي.
وأكد سعيد صفصافي، في تصريح لـ"إيلاف" أن "الجلسة الأولى خصصت لتدارس منهجية العمل وجدول الأعمال، كما أنها كانت مناسبة بالنسبة إلينا من أجل طرح أولوياتنا"، وزاد موضحا "كاتحاد مغربي للشغل عبرنا عن موقفنا المتمثل في إلحاحنا على ضرورة تخصيص هذه الجولة لتنزيل وتفعيل مضامين الحوار الاجتماعي الموقع عليه سنة 2011 بين النقابات والحكومة، وكذلك إعطاء الأولوية للحوارات القطاعية والاستجابة إلى مطالب مختلف فئات الموظفين.
كما أكدنا كذلك، يضيف القيادي النقابي، على أن "أي حوار طالما لم يتضمن نقطة في جدول الأعمال حول تحسين الدخل والأجور فلا ينتظر منه الشيء الكثير".
وقال سعيد صفصافي "سمعنا كثيرا بعد الأطراف الحكومية تهدد بالاقتطاع من الأجر عن أيام الإضراب، وهذا الموقف اعتبرناه تهديدا ولا يشجع على الحوار الاجتماعي الجاد والمسؤول الذي يفضي إلى نتائج ملموسة"، مبرزا أن "قانون الوظيفة العمومية يشير إلى أن الاقتطاع يكون عن أيام التغيب غير المبررة، في حين أن الإضراب حق دستوري وليس غيابا غير مبرر".
من جهته، قال سعيد لكحل، أستاذ باحث في العلوم السياسية، "للأسف، الحكومة الحالية ستتخذ إجراءات قانونية أشد صرامة من خلال تقنين الإضراب الذي سيجعل اللجوء إليه أكثر تكلفة، ليس فقط فيما يتعلق بالاقتطاع من الأجور، ولكن بتعريض المضربين إلى الطرد والتشرد، لأن القوانين المنظمة للإضراب التي ستضعها الحكومة سيكون من أهدافها تعقيد المساطر الإدارية أمام النقابات إذا ما اضطرت إلى خوض الإضراب".
وفي حالة خرق هذه المساطر، يشرح سعيد لكحل لـ"إيلاف"، "سيكون الإضراب غير قانوني، ومن ثم للجهات المشغلة الحق في طرد المضربين. ولا شك أن إعلان الحكومة عن قرار الاقتطاع من أجور المضربين هو مقدمة لما سيأتي من بعد عند وضع القانون التنظيمي للإضراب".
وذكر المحلل المغربي إلى أن "التلويح بالاقتطاع أو تطبيقه، كما يحدث في بعض القطاعات، لن يحل المشكلة بل سيزيدها تعقيدا، لأن النقابات لا تلجأ إلى الإضراب إلا بعد أن تستنفذ كل الوسائل. فالإضراب ليس هدفا في حد ذاته وإنما هو وسيلة لممارسة مزيدا من الضغط على الجهة المشغلة.
وكان أولى بالحكومة أن تنكب على دراسة المشاكل في إطار جو من الثقة والتعاون عوض كهربة الأجواء وتوتيرها. فالعمال ليس لهم ما يخسرونه وقد اعتادوا على شظف العيش".
وأشار سعيد لكحل إلى أن "التهديدات التي تلوح بها الحكومة من شأنها أن تشحن النفوس وتوتر الأجواء، الأمر الذي سيعصف بكل الجهود والوعود التي أعطيت من أجل تحقيق السلم الاجتماعية. وهذا يضع الحكومة في حالة تناقض مع التوجهات الاجتماعية التي تضمنها البرنامج الحكومي. فكيف لها أن تخدم الجانب الاجتماعي وهي بصدد اتخاذ إجراءات زجرية تضييقية في حق الشغيلة؟ وكيف ستتصرف الحكومة في حالة قررت معظم النقابات الدخول في مسلسل تصعيدي يهدد الاقتصاد الوطني بالسكتة القلبية كما يهدد الوضع الاجتماعي بالانفجار".
وكانت المركزيات النقابية دعت، في الاجتماع مع الحكومة، إلى "ضرورة الانكباب على تدارس الملفات الاجتماعية الكبرى. خاصة إصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس. وإصلاح منظومة الأجور".
منقــول