حتى وإن كانت كتابة الرسائل قد ولى زمانها بالكيفية التقليدية المعروفة وحل محلها نوع أخر أكثر تطورا وتقدما وهو الرسائل الإليكترونية الحديتة فإنني مازلت أتذكر وسوف يتذكر معي أبناء جيلي وكل من كان يمارس الكتابة عبر البريد العادي في زمن لم يكن البريد الإلكتروني معروفا أو إن شئتم عاما وممكنا , نعم سوف نتذكر ذلك الزمن الذي كنا نحشو فيه الأظرفة بمسراتنا, وأفراحنا ,وإنجزاتنا , وطموحاتنا الدراسية ونتقاسمها مع الأهل والأقرباء البعيدين علينا ونتباذل مشاعرنا وأحسيسنا عبرها ونتعارف من خلالها على أصدقاء جدد ,لقد كانت هي جسر التواصل ,لكن اليوم وقد أضحى كل فرد منا يحمل هاتفا خلويا ويتقلده ينقل له أخبار المبعدين والمقربين ويتواصل معهم في كل لحظة وحين , وأصبح العديد منا كذلك يجلس أمام الحاسوب ويكتب لمن يشاء ويرغب ويكلمه وجها لوجه ,فإن الرسائل وكتابتها تكاد تنقرض وبات الكثيرون لايملكون تقنية كتابتها بالشكل اليدوي الذي كان , وإنه من الإعتراف بالجميل أن نشير هنا إلى أنه ورغم هذا التطور في التراسل (والذي لست هناضده ولكن ضد سوء إستغلاله),فإن الحنين يشد المرء إلى زمن الكتابة الجميلة وإلى تلك اللحظات التي كان فيها القلب يتراقص ويخفق كلما حل ساعي البريد بالحي والديار , إلى زمن الكتابة بمداد الصدق والإخلاص ,وكل المشاعر النبيلة التي تفعم بها الروح البشرية السليمة , إلى زمن الكتابة والإنتظار من أجل الإجابة ,إلى زمن يخط فيه العشاق السطور الملتهبة إلتهاب عواطفهم الجياشة , زمن تتعانق فيه الأرواح في عالم السمو الفكري والروحي الصافي والخالص ,لا زمن الرسائل والشات الإلكتروني الألي المليء بأساليب الخذاع والمراوغة والنفاق ,والقنص وصيد الطرائد والفرائس وبكل السبل والطرق الممكنة والمتاحة ,حتى بلغت الكتابة أدنى مستويات الميوعة ...!