بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم ج/ح المغربي
تضاريسُ الحياةِ
هل الصعود أم النزول؟
إذا تأملت الوجود في هذا الوجود ألفيت نوعين من التضاريس يهيمنان على الوجود، ويحكمانه؛ هما المرتفعات والمخفضات.
تمثل المرتفعات القيم الإيجابية، وكل جميل من السلوك والأقوال والأفعال... في ذا الكون. وتمثل المنخفضات القيم السلبية، وكل قبيح من السلوك والأقوال والأفعال... في هذا الكون.
لتصعد المرتفعات والقمم تكون بحاجة إلى الزاد من القوة واللياقة والجهد والصبر والمصابرة... ذلك ما تستدعيه طبيعة النوع التضاريسي. وإذا لم تهيئ نفسك/ عقلك/ روحك للرقي والصعود فلن تصل إلى بغيتك، وقد تتعطل آلاتك قبل الوصول؛ لأن العقبة كأداء.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن درجات الكآدة والارتفاع تتباين بتباين الأعمال؛ فكلما كان العمل مرتفع القيمة (+) جليلا ونبيلا كلما كنت بحاجة إلى الجهد المضاعف واللياقة العليا، وإذا قلَّت القيمة قل الجهد، ولم تحتج إلا إلى قليل من اللياقة والجهد،
لتنزل المنخفضات لا تكون بحاجة إلى الزاد من القوة واللياقة والجهد، إذ يكفيك أن تساير طبيعة المنحدر فتنزل. ونازل المنخفضات يكون في خطر، لأنه أقل تحكماً في نفسهُ وهيَ تنساقُ وتنجرفُ.
وبفهم طبيعة تضاريس الحياة تفهم نفسك وتقف على حقيقتك؛ ولا يعنى هذا أن النفس شريرة بطبعها، ولا خيرة بطبعها، إنما يعني أن الإيجابيات في الحياة (+) تتوقف على جهد وصبر وتضحية وتخطيط...
وسيرة العظماء دليل على الذي نقول، فلم أُلْفِ رجلاً عظيماً في ميدان من الميادين العلمية والرياضية...بلغ القمة بلا جهد أو بقليل منه، ولو قال بهذا من قال، ولو نفى من نفى!
أما الضلال والانحراف والزيغ والكسل والتهاون والظلم... وكل ما ينتمي إلى حقل السلبيات(-) فلا أراه مكلفا؛ أو هو مكلفٌ ما يكلفُهُ نزولُ المنحدرات.
الناس في ميزان النظرية
الكثرةُ الكاثرةُ من الناس ينحدرون مع المنحدر منساقين معه استسلاما، إذ لا يكلفهم جهداً، ويتوافق هذا وجبلة في الإنسان برنامجها: الراحة خير من النصبِ.
ولما كثر المنحدرون النازلون عمت البلوى به، وانساق مع القطيع قض القوم وقضيضهم، سوقتهم وسراتهم، وأضحى المخالفُ غريباً عجيبا أمره شاذاً. ومن شرذمة المنحدرين أناس تلقوا برامج ألزمتهم به، ولا علم لهم بحقائق الأمور؛ هؤلاء قوم سُلبت ألبابهم وهم لا يشعرون. فتلكم هي الثقافة وذاك هو سلطانها.
القلة القليلة من الناس ترقى وتصعد وتسمو وترتفع، إذ يكلفهم جهدا ونصبا، ولا يتوافق والبرنامج الأصلي القديم الداعي إلى الراحة وترك المتعب الشاق.
تخامر- بعضهم- المرية بين الحين والحين فيتساءلون: هل نحن على حق وهم على باطل؟ أما أهل اليقين فإلى الذُّرا صاعدون؛ لا تأخذ منهم لومة اللائمين، ولا هزءة الساخرين، ما في قلوبهم يحركهم دفعا إلى الشموخ والرفعة، أما المذبذبون فسرعان ما ينساقون لنعيق النازلين. فيغدو القليل أقلَّ، وهم في الميزان الحق أعظم.