مشروع القانون التنظيمي للإضراب لسنة 2009
الحكومة تقترح قانونا انتقاميا يهدد الموظفين والعمال بالغرامة والسجن
الرباط -
إبراهيم ش.
ظل المغرب طيلة عقود من الزمن يعاني من فراغ تنظيمي للشروط التي يمكن معها ممارسة حق الإضراب، رغم أن الدستور المغربي يضمنه منذ ستينيات القرن الماضي في فصله الرابع عشر. الندوة التي نظمتها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في الأسبوع الماضي، حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب، أكدت أن تنظيم حق الإضراب لا يجب أن يلبس لبوسا جنائيا للحد من ممارسته، ولكن يجب أن يكون قانونا ضامنا للحقوق، باعتباره حقا من الحقوق الأساسية للإنسان.
الحقوقيون والنقابيون المشاركون في هذه الندوة، انتقدوا بشدة الحكومة الحالية المقترحة لهذا القانون التنظيمي، الذي جاء مرتبكا في صياغته وتبويبه. كما انتقدوا تخويل الوزير الأول صلاحية منع الإضراب.
وبهذا سيسجل التاريخ المغربي، أن عباس الفاسي اقترح مشروع قانون تنظيمي للإضراب وأعطى لنفسه الحق في أن يكون له "شرف" منع هذا الإضراب إذا كانت هناك أزمة وطنية، دون تقديم معنى محدد ومضبوط للأزمة الوطنية التي يمكن أن يحدثها الإضراب الوطني.
في السياق ذاته، تراجعت نسخة 2009 من مشروع القانون التنظيمي للإضراب عن ضرورة اتخاذ قرار الإضراب بأغلبية المجموعة العمالية و خول الدعوة للإضراب للنقابات الأكثر تمثيلية فقط.
مشروع عباس الفاسي أقر أيضا إمكانية حرمان الموظفين والعمال من أجرهم طيلة مدة الإضراب، مع العلم أن كل مشاريع القوانين التنظيمية للإضراب، سكتت منذ مستهل العقد الحالي عن هذا الأمر.
وبدل أن تحمي النسخة الحالية لمشروع الأغلبية الحكومية، المضرب عن العمل وتمنحه كافة الضمانات للممارسة العادية لحقه الدستوري، الذي أصبح من الحقوق الاقتصادية والإجتماعية في العهد الدولي، رغم أن المغرب لم يصادق بعد على الاتفاقات الدولية التي تنظم وتحمي الحق في الإضراب، اقترح قانونا انتقاميا من الموظفين والعمال المغاربة.
فبعد التأويلات الفضفاضة للإضراب المشروع والإضراب غير المشروع، واعتبار الحق في الإضراب يوقف عقد الشغل، والسبب الفادح والإهمال الفادح من الأخطاء الجسيمة، خصص مشروع الفاسي كل بنود الباب الخامس من المشروع للمقتضيات الزجرية، كمعاقبة كل شخص ساهم أو شارك أو حرض على إضراب دون التقيد بالشروط المنصوص عليها في المواد 19-22-23-27 و29، بغرامة من 1500 إلى 10.000 درهم، بالنسبة للمشغل والنقابة الداعية للإضراب. و كل من خالف أحكام المواد 4-8 و 10 بغرامة قد تصل إلى 10 آلاف درهم. وكل من خالف أحكام المادتين 2 و5، بغرامة من 1500 إلى 5000 درهم للأجراء.
مشروع عباس الفاسي ينتقل من الغرامات الخطيرة بالنسبة للعمال والموظفين، ليصعد من انتقامه إلى مرحلة السجن، حيث تعاقب المادة 37 في حالة العود على مخالفة أحكام المواد 5 - 9- 22 و 28، بالإضافة إلى الغرامات المنصوص عليها في المواد السابقة، بالنسبة لكل حالة على حدة، بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنة.
و قبل أن نقفل هذه الورقة التحليلية، نسجل أن المطلوب ليس مشروعا جنائيا مكررا وبالتالي انتقاميا كالذي صاغته حكومة عباس الفاسي، بل مساءلة نوايا ومقاصد الحكومة في اقتراح هذا النوع من المشاريع التي لن تخدم لا الإدارة المغربية ولا الاقتصاد المغربي ولا حتى السلم الاجتماعي. رغم أن الحكومة الحالية اعترفت، خلال تقديم تقرير المغرب الاجتماعي لسنة 2008/2009، أن المسألة الاجتماعية بالمغرب ماتزال في حاجة إلى مؤشرات و معطيات دقيقة وإلى مشاركة كل الفاعلين. خاصة أن بعض التقارير الدولية، كالتقرير الذي نشره مركز البحث البريطاني، توقع أن يشهد المغرب "حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي خلال العام الجاري بسبب تفاقم تداعيات الأزمة المالية العالمية وارتفاع معدل الفقر والبطالة".
المصدر: الحركة - 2009/06/10