بسم الله الرحمن الرحيم،
منذ فجر الاستقلال، والمدرسة المغربية تسعى بشكل أو بآخر نحو لتطوير أدائها ومهامها، لكن الملاحظ أن كل الجهود التي بذلت كانت جد باهتة، نتيجة عدة عوامل، منها التصورات عن المدرسة وأدوارهان ثم هناك السياسة التعليمية المتبعة... وغيرها كثير من الأسباب الموضوعية والذاتية، التي كانت من وراء واقع التعليم في بلادنا. وحتى نرصد بعض التطورات التي حصلت داخل الفضاء المدرسي المغربي، بل يعد معلمة أساسية في الخريطة المدرسية، نشير إلى الانتقال من الدرس التقليدي، والذي ظل يهيمن على روح المدرسة المغربية، بحيث كانت المناهج المتبعة في الماضي تعتمد على أسلوب الإلقاء والشحن لعقول المتعلمين دون مراعاة الشرط النفسي والاجتماعي للمتعلم، أو طرح الوسائل التعليمية الكفيلة ببلوغ أهداف محددة، لنقل بعبارة جامعة ، كانت فلسفة الدرس التقليدي تعتمد أساسا على الجانب المعرفي القدحي، أي أن المتعلم ينصت للدرس ثم يحفظه عن ظهر فلب ليرده إلى السيد ألمدرس بشكل آلي وأوتوماتيكي صرف، ورغم تقليدية هذا النوع من الدروس والذي مازالت رواسبه فعالة داخل منظومتنا اليوم، فقد كانت نتائجه البارزة جيل أو أجيال من المتعلمين الذين لديهم معارف عدة وكثيرة في حين لا يحسنون استثمارها في حياتهم الخاصة.
في الثمانينيات من القرن العشرين ، بدأ الحديث عن الدرس العلمي في المدرسة المغربية، والمقصود بالعلمية هنا، أي الدرس الذي ينطلق من التخطيط الكلي لمجرياته، من حيث تحديد الأهداف والوسائل والتقويم، وللإشارة فإن هذا النهج الجديد في بناء الدروس كان من ورائه التأثير السيكولوجي في شخص المدرسة الواتسونية " المدرسة السلوكية"، وأصبحنا أمام درس له منطق داخلي يجعله مترابط المدارج والمحطات، أصبحنا أمام ما يصطلح عليه ب" هندسة الفعل التربوي" وبهذا الشكل أصبح للسيد المدرس منطلقات لدروسه تساعده على التنبؤ بما سيحصل أثناء الدرس، هذه المواصفات جعلتنا نخرج من أسلوب التلقين إلى أسلوب البناء ولكن بطريقة هي الأخرى آلية في كل محطاتها، لأن المنطلق الفلسفي لها هو هذه الوظيفة(fonction): لكل مثير استجابة معينة.
وعلى الرغم من سلبيات الدرس العلمي الهادف، نشهد جميعا أن المدرسة عرفت انتقالا ملحوظا وفصلا مشهودا بين الدرس التقليدي والدرس العلمي.
يبقى السؤال: هل المدرسة المغربية قادرة في الاستقبال على الاستمرار في التجديد التربوي؟ هل لها كل الإمكانات التي تمكنها من تحقيق المقاصد النهائية من التعليم: تكوين شخصية قادرة على مواجهة العالم بكل تحدياته؟؟ ما هي البنية النظرية والتطبيقية التي بوسعها أن ترتقي بالتربية والتعليم إلى مصاف التربية والتعليم العصري الحديث؟؟؟؟