مزحة : قابلت يوما شخصا وأنا في طريقي إلى العمل ... وقال وهو يسابق أنفاسه : هل تعلم أن هذه السنة قد مرت دونما تحصيل ؟ انزعجت وكدت أُكْشَفُ أمامه ظننت أنه يقصدني بإيماءته هاته أخفيت ما بي من حنق .. ثم أكمل مسترسلا . . والكلام يخرج من بين شفتيه الغليظتين كمطر السماء في يوم عاصف .. قال أن هذه السنة جذباء قحطاء لم نستخلص مما دأبنا على حرثه ولو حبة بُر أو حنطة .. فهمت قصده وانقشع الدم من على وجهي وكأني قد عشت أمام هذا الشخص مائة عام من الإهانة التي لا يرضاها لنفسه إلا الجبان .. ثم أردف قائلا .. أتسمح لي يا أستاذ باستفسار .. قلت والتردد يغالبني .. اسأل كما تشاء دون قيد أوشرط لكن ... تَدَارَكَني القول .. لكن ماذا يا أستاذ ؟ .. قلت : لا تهتم .. اسأل ودون أن يعير ذاك اهتماما .. قال : هل حصلتم أنتم أم لم تحصلوا مثلنا ؟ .. أكمل سؤاله و لم ينبس ببنت شفة .. سَكَتُّ قليلا حتى أُبدي له أن سكوتي ليس عجزا عن الجواب لا ولا عدم فهم للسؤال .. تداركني القول .. يبدو يا أستاذ أنكم مثلنا فهذا يبدو جليا من خلال عينيك المليئتين حزنا .. فالزراعة يا أستاذ كالدِّراسة أولها حرث وآخرها حصاد .. سألني أليس كذلك يا أستاذ قلت والقلق يغالبني .. بالطبع كذلك .. فقلت دونما تفكير وكأن كلاما انساب من شفتاي دون أن أعرف له سبيلا .. " نحن نحصد الجماجم " .. ماذا يا أستاذ ؟ .. تداركته لا تهتم مجرد كلام أكمل حديثك هذا يا سيد فأنت ممن يعلم أمور التحصيل والحصاد والدِّراسة " بترقيق الراء " والدِّراسة " بتغليظها " .. استقام .. وأكمل .. الجفاف يا أستاذ أتى على الأخضر واليابس .. حتى عندكم في الفصول والأقسام .. فابني لم يحصل هذه السنة كما حصل في سابقتها .. يبدو أن الجفاف أيبس له عقله وقضى على آخر فِكْرِهِ .. حيث لا حشيش في أرضنا ولا قطرة .. وليست في بيتنا ولا فكرة .. سنة جذباء .. أليس كذلك يا أستاذ ؟
- .. هو كذلك ..
استمر صاحبي يفسر لي تأثير القحط على الحياة بما فيها الإنسان والحيوان وحتى الجمادات واسترسل يوقع ما بين لحن ولحن على أوتار الشقاء ويردف ويكرر إلى أن وصلنا إلى قريتنا الصحراوية فودعته بابتسامة ليست بالصافية وانحناءة كاذبة لكن صوته بدأ يدوي في خاطري عاليا ترى كيف وصل هذا الشخص للجمع بين أشياء لا تجمع ؟ .. فكيف يستقيم هذا ؟ .. دخلت فصلي وبدأت أراقب حصادي .. هل من حصاد هذه السنة ؟..
سبق لي نشرها في مدونتي إسلامنا http://www.elaphblog.com/islamona