الحــــــــلقـــــــــــــــة 7
فرعية ولا. . . كباقي الفرعيات
الفرعية التي كتب علي العمل بها، تتواجد في دوار لا يتجاوز عدد أسره 34أسرة،شبه خالي من السكان، باستثناء 12 شيخ والنساء(لم أستطع عدهن بسبب الحصار المضروب علي)والأطفال
أما الأعضاء النشيطون، فهم مهاجرون إلى المدن الكبرى( الدار البيضاء، مراكش،أكادير، الرباط . . .)يبحثون عن لقمة عيش، يزاولون التجارة، تراهم في المحلبات،البقالة ، يبيعون الزريعة، الكاوكاو،كل ما يمت للبيع والشراء بصلة، ،يقاسون ويكدحون من أجل تحويل مدخراتهم إلى أهلهم،والعودة إلى الدوار ،على الأكثر، في مناسبتين: إما عيد الفطر، وإما عيد الأضحى
يمكثون في الدوار(عطلة) فترة ليست بقصيرة
ومن خلص ماله، عاد أدراجه للمدينة، يكد ويكدح ليكتنز الدرهم تلو الأخر في انتظار حلول مناسبة أخرى
فيكتسي الدوار، فترة مكوثهم، حلة جديدة، أشغال في كل مكان،ترميم البيوت، إقامة الحفلات ، الأعراس، أحواش،
حتى البنات، بدورهن، يستعددن لهذه المناسبات بفترة، فتراهن يكثرن من التصبين، ويعتنين بمظهرهن الخارجي، ويرتدين ملابس جديدة ،علهن تظفرن بعريس مهاجر، يخلصهن من العزوبية، وتسري همسات في الدوار بأن
ابن فلان استقدم كذا وكذا من الأغراض والملابس والمشتريات، من المدينة، حد التباهي، الشيء الذي يجعله محط أطماع الفتيات.
وتعود الرتابة للدوار بعودتهم للمدينة.
كان قسمي يتكون من مستويين :
الأول 12 تلميذ، والثاني 6 تلاميذ، ثلثهم من الإناث،
لا يعرفون العربية ، كان لزاما علينا أن يكون التأثير مزدوجا، أن أتعلم الأمازيغية منهم حتى أعلم العربية، وهذا ما فعلته طيلة مقامي لكن يبقى أهم أحساس تملكني هو الوحدة،لم أستوعب ما يدور حولي، فإذا كانت الدولة قد فكرت في نشر التعليم
وشيدت من أجل ذلك الحجرات، فإنها اعتقدت قد نجحت بتعيين أستاذ،وتنصيب دركي (المدير)لمراقبة غيابه ،لكنها لم تفكر في ظروف عيش الأستاذ،ولا ظروف إقامته وعمله ،تركته يتدبر أموره لوحده ،حيث لا بنية تحتية ولا هم يحزنون،أقرب سوق،يوجد في طاطا 90كلم جنوبا ،أو شمالا في أولوز 90كلم ، كلها طريق غير معبدة (بييست).
ولا حانوت ، في الدوار ،ولا حلاق، ولا جزار،ولا مخبزة، ولاشيء، غير الشيوخ 12 والنساء والأطفال والفقيه.لا أثر لوجود الإرسال التلفزي،حتى المذياع ، حرمت منه ،إذا لم يكن مصفحا،
blinde
فإنك لن تظفر بأي محطة.قضيت فترة طويلة يائسا أحاول مع الراديو الذي جلبته معي، أقلبه ذات اليمين مرة ، وذات الشمال مرة أخرى، دون جدوى،
وأنت في دوار محاط بالجبال من كل صوب، يخيل إليك أن السكان غير مقيمين، بل مختبئين وسط الجبال.منقطعين عن العالم الخارجي بصفة نهائيا.
مع من تتواصل؟ مع الشيوخ؟هناك حواجز: اللغة ،الاهتمامات ، التقاليد والعادات، وفارق السن.
النساء، ممنوع الحديث إليهن وحتى النظر ممنوع، حيث طلب مني الفقيه أن لا أذهب للعين، حيث تتواجد النساء، لجلب الماء، وأن أكتفي ببعث الأطفال، ولا داعي للمشقة، فهمت قصده
لم يبق أمامي إلا الأطفال، وجدت فيهم ضالتي،احتضنتهم فاحتضنوني
علمتهم فعلموني، أحببتهم فأحبوني، حتى النساء تعاطفن معي، أتراها الأمومة؟أم حنان المرأة عموما تجاه الغريب؟،يرسلن لي كل صباح ، مع أبنائهن،إناء من المعدن مزلج بالأبيض مملوء ب " أسكيف"،لم يحدث مرة أن سلمت على امرأة يد بيد أو نظرت لها عن قرب طيلة مكوثي بالفرعية
،فقط أسمع صوتها من خلف نوافذ القاعة، فيقوم الصغار بترجمة رغباتها إلي أو المراد من زيارتها
ولازلت أذكر حين زارني الفقيه يوما وكان يلهث،فقدمت له :كأس حليب،واعتذر بدعوى أنه لا يشرب حليب نيدو،فأكدت له أنه حليب بقر،حينها انتفض وتبدلت ملامح وجهه صاحيا:
حين أطلبه أنا، يقال لي: غير موجود، ويبعثوه لك أنت ؟؟ ؟
وانصرف مزمجرا متوعدا،
لم أعرف مصير تلك الأم التي فضلت الأستاذ عن الفقيه، تسببت لها في مشكل ، فمي سخون،
بعد خروج التلاميذ، تصبح الوحدة قاتلة، والمكان موحشا ،أتقابل مع الدوار، وأخرج علبة كازا وأدخن سيجارة تلو الأخرى، ساعات من التأمل والتفكير، حتى أحس بالدوار والغثيان،فأستلقي وأنام