أقبلتْ زهرةُ السيدةُ المديرةُ لتستقبلَ السادةَ الأساتذةَ أعضاء مجلس تدبير المؤسسة وفي يدها خاتمها تلوح به.
- قالت مستهزئة: أهلا وسهلا أعضاء مجلس تدمير المؤسسة... عفواً أقصد مجلس تدبير المؤسسة. وابتسمت ابتسامة عريضة...
- قال الأستاذ أحمد: ربما هناك علاقة سيميائية بين التدبير والتدمير. فبعض الدَّمار تدبير وبعض التدبير تدمير.
- قال الأستاذ الدمشقي؛ أستاذ اللغة العربية: دعنا يا أحمد من سيميائياتك، فقد شبعناها؛ فإنها لا تجدي نفعا ولا تدفع شراً. لن تزيد الطين إلا بلة إلى بلة؛ وبرودة الجو سبب الأزمة...
- قالت زهرة المديرة: دعْه يفكك الرموز ويفجر العلامات؛ فإنه متضلع في فكها، فقد يفيد...
- قال أحمد مفسرا: هل ترون في اجتماعنا؛ بل اجتماعاتنا تدبيرا حقيقيا؛ لا أحس بذلك. ومن كان منكم مخالفا فليفند رأيي بحجج واضحات كالشمس ساطعات تضطرني لأعدل عن رأيي وأقلب قناعتي...
- قالت أستاذة الاجتماعيات فاطمة أم محمد: دعوا الأمر لي؛ فإنه ميداني ومجالي وساحتي... إننا في اجتماعاتنا لا ندبر، إننا نجتمع ونتفرق. نقول كلاما لا نقتنع به وقد نقتنع به ولا فرق بين الأمرين. فالوضع لا يزال على ما هو عليه. وحليمة لم تفارق عادتها القديمة. ودار لقمان على حالها شاء من شاء ورفض من رفض...!
- قالت المديرة: المجالس والاجتماعات والمؤتمرات...في البلدان المتخلفة شكلية لا قيمة لها. ولكنها ضرورية... لكتابة التقارير وملء الوثائق!!
- قال أستاذ الرياضيات: وماذا بعد كتابة التقارير؟ إنها لا تقرأ، إنها تحرق أو يلقى بها في الرفوف... فما فائدة كتابتها؟؟؟
- قالت السيدة المديرة مجيبة: لكنها ضرورية، يجب أن نكتبها على أية حال قرئت أم لم تقرأ...إنهم يلزموننا بذلك...
- قال الأستاذ المرح النشط: لماذا لم تخبريهم يا أستاذتنا الفاضلة بوضع مدرستنا؟ أخبريهم...
- قالت المديرة: يعلمون بذلك؛ يا بني. لا تخفى عليهم خافية...ولا أظنك تجهل ذلك. أنت تعرف أن مدارسنا مخربة وأسوارها مهدمة ونوافذها مكسرة وأبوابها مهشمة ورجالها القائمون عليها محبطون والوضع مزرٍ.حالهم لا يخفى...
- قال أحمد: وهل ساهم رجال التعليم في تخريبه وتدميره؟
- قالت السيدة المديرة: ساهمواْ بحظهم في عمليات التخريب، لكنهم مسيرون غير مخيرين...
- قال أستاذ الفلسفة: لنقاطع مجالس التدبير هذه ما دام الحال كما تصفون. لنهجرها هجراً غير جميل. لنعبر عن وعينا وإدراكنا لحقيقة الأمر.
- قالت المديرة: وماذا بعد ذلك؟ سيستفسرونك على المقاطعة فما جوابك يا عبد الله؟
- قال أستاذ الفلسفة: أقول لهم الوضع لا يرضينا إننا نكذب على أنفسنا.
- قالت المديرة: ما وضع القانون يا بني إلا لتسد به أفواه قائلي الحقيقة. سيجلدونك بالقانون. وضربة القانون عنيفة قد لا تطيقها أنت صاحب الجسد النحيف.
- قال أستاذ الفلسفة: أين هي حقوق الإنسان؟
- قالت المديرة: لنتحدث أولاً عن الإنسان قبل أن نتحدث عن حقوقه... ولست أظن أساتذة الفلسفة يجهلون أمر ذلك... موضوع تجاري بامتياز تربحُ منه الأموال وتقضى منه المصالح...ماتت حقوق الإنسان وأعلن عن ذلك صراحة في مناسبات عديدة على رأسها أحداث غزة!
- قال الرجل الجَمْعَاوِي مكفهرا؛ وهو يرغي ويزبد: إنك تتهمين الجمعيات. إن هذا الذي تقولين خطرٌ للغاية. يجب أنْ تتحملي المسؤولية كاملة.
- قالت المديرة: تتبجحونَ بالمسؤولية والحقوق والإنسان لتبنوا البيوت وتركبوا السيارات وتستثمروا في العقارات...إني أعرفك جيدا، أعرف مداخيلك ومخاريجك...اتركني كيلا أفشي سرك فيظهر للعيان شرك...فاحمر وجه صاحبنا وتكلم كلاما جميلا أدركنا منه جميعا حس الانهزام...ثم نطق قائلا إن بعض الجمعيات ما أنشئت إلا لأهداف مالية مصلحية بحتة ونسبة هؤلاء كبيرة...ركبوا على مواضيع كثيرة ليحققوا المصالح. هداهم الله.
- قالت السيدة المديرة: الحقُّ أبلج والباطل لجلج. نعرف الحقيقة ويعرفونها. نفهم اللعبة ويفهمونه، ونحسبهم ويحسون بنا...تنقصنا الثورة على أنفسنا لنغير فتنصلح الأرض والدوابُ والكونُ بأسره وأسره. ثم نظرت إلى الساعة المعلقة على الجدار والتمست من المقرِّر أن يكتب التقرير المعهود ليرسل إلى الجهاتِ المعهودة في الوقت المعهود بالمواصفات المعهودة...اطلعت على نسخة التقرير فوجدته مكتوباً بلغة السياسيين لغة اللف والدوران، لم أفهم منه شيئا وفهمت كل شيء...فلنقل للمدرسة وداعا يا حبيبتي...وداعا...
واستدعت السيدة النائبة المحترمة السيدة زهرة المديرة بنت الحاج مديرة مدرسة الأزهار تخبرها أن ما دار في مجلس التدبير يوم أمس وصلها على التوِّ قبل التقرير الرسمي...فلم تعجب زهرة مديرة المدرسة من الأمر، ولم تبالغ في البحث عن السؤال...بل انطلقتا في الحديث عن شهيوات "شوميشا" وجديد الحلويات والحديث في الموضة من جلابيب وفساتين وجديد الزينة...وفي هذه الأثناء صوت هاتف السيدة النائبة فأجابت قائلة:
" وحال العملية التعليمية التعلمية التربوية على أحسن حال. ولم يشهد الدخول المدرسي لسنة 2008-2009 أي تعثر. ونجاح البرنامج الاستعجالي واضحة معالمه. فقد خففنا بعض الأقسام من 64 تلميذا إلى 45...وكل شيء على ما يرام...".
- قالت المديرة زهرة تخاطب السيدة النائبة: إنك سياسية بامتياز تنافسين الرجال المحنكين...
- قالت النائبة المحترمة: علمتنا السياسة الكذب الجميل والرد الجميل... فاللهم تجاوز عنا، فإنا لا نرضى بالكذب سياسة وأسلوبا...
- قالت زهرة: آمين. وهل سيستمر الوضع على ما هو عليه؟
- قالت النائبة: نرجو من العلي القدير أن لا يحدث ذلك، وإن كان الوضع يبشر بذلك بشارة قوية...
- قالت زهرة: وهل تقترحين حلولا للمشكل؟
- قالت النائبة: لا رأي لمن لا يطاع!... نحن مسيرون غير مخيرين...نحن كأنتم ننفذ ما يملى علينا...