مدونة السير: سلامة الأرواح أم سلامة الأرباح؟ لماذا قانون جديد للسير؟ جواب الحكومة هو مكافحة حوادث السير ومحاربة انعدام السلامة الطرقية. وهو ما يحيل إلى سياسة مكافحة الفقر ومكافحة الإرهاب....حيث تختفي الأهداف الفعلية خلف المزاعم المعلنة. ادن خلف شعار مكافحة حوادث السير وانعدام السلامة الطرقية، تختفي حرب حقيقية تشنها الحكومة والقوى الرأسمالية ضد النقل العمومي بشكل عام والنقل الطرقي بشكل خاص . لكن مدونة السير لا تطال مهنيي النقل فحسب بل تطال كل مستعملي الطريق سواء كسائقين أو كراجلين. وعكس ما قد يعتقد البعض ، فان شمول المشروع لكل مستعملي الطريق لا يعني أن الهدف هو السلامة الطرقية والحد من حوادث السير.بل يعني فقط أن مشروع مدونة السير،علاوة على أهدافه الاقتصادية (تحرير قطاع النقل) فان له أيضا أهدافا سياسية ومالية صرفة. وهذا ما سنعمل على توضيحه. لكن من المستفيد من قانون السير الجديد؟ لقد كشفت أزمة النقل عقب الإضرابات الأخيرة عن الاصطفاف السياسي الواضح بين الباطرونا وقيادة الدرك والشرطة والحكومة من جهة ومهنيي النقل من سائقين ومهنيين صغار ومتوسطين وتعاطف الجمهور الواسع من المواطنين مع إضراب شغييلة النقل الطرقي. هذا الاصطفاف يكشف عن الطبقة المستفيدة من مدونة السير والطبقات المتضررة. كما كشف الإضراب من جهة أخرى عن دور البرلمان . فمشروع القانون الذي سيصادق عليه نواب الأمة لم يطلعوا عليه و اغلبهم لا يعرف الجهة التي وضعت القانون. بل هناك من النواب من يرفض القانون لكنهم عاجزين عن معارضته داخل البرلمان. لان وظيفة المؤسسة البرلمانية في النظام المخزني هي المصادقة بنعم على مشاريع قوانين حتى لو كانت تتعارض مع مصالح أغلبية الشعب، كما هو الحال مدونة الشغل ومدونة التجارة ومدونة التغطية الصحية ومدونة الانتخابات ومدونة السير ... ومن بين حسنات إضراب الشيفورات هو أنه كشف عن طبيعة الحكومة في المغرب. ليس فقط حكومة في خدمة الرأسماليين الكبار على حساب أغلبية الشعب وهذا حال معظم الحكومات، بل حكومة فاقدة للسيادة من جهة، ولا تملك القدرة على إضفاء شرعية سياسية على مشاريعها. الأكثر من هذا أن الوزير في الحكومة المغربية هو موظف مكلف بتنفيذ مهام، ولا يتمتع حتى بحق الاستقالة في حال تبين له أن المطلوب منه تنفيذه يتجاوز قدراته وكفاءاته وخبرته. ما نخلص إليه من هذه التفاصيل هو أن ما سمي مدونة السير هو مشروع أوربي لا علاقة له بحوادث السير أو السلامة الطرقية، بل له علاقة بتحرير النقل بشكل عام وتحرير النقل الطرقي بشكل خاص. لكن تحرير النقل في المغرب ليس مسالة اقتصادية بحثة بل له تداعيات سياسية ومالية يجب مراعاتها. وهذا ما سعت إلي تحقيقه مدونة السير: للمقاولات الرأسمالية حرية الاستثمار وللدولة عائدات المخالفات ولأجهزة المراقبة هامش يسمح باستمرار واجب الولاء والطاعة. أما المواطنون، مستعملي الطريق ومستهلكي خدمات النقل فهم مجرمون مشتبه بهم وغير متحضرين لا ن سلوكهم وثقافتهم مصدر لانعدام السلامة الطرقية لهذا على الحكومة المغربية أن تضع قوانين جنائية لإعادة تربية مواطنيها على احترام السلامة الطرقية المخزنوقطاع النقل 1-شكل قطاع النقل الطرقي بالنسبة للمخزن خزانا لموارد مالية إضافية لتغذية وارشاء أجهزة الدرك والشرطة والعمال والباشاوات. والنقل بالنسبة للمخزن ليس مهنة يزاولها أي كان أو خدمة عمومية، بل هو عطف مولوي يمنحه المخزن لأتباعه. وقد لعبت رخص النقل دورا في تكوين قاعدة اجتماعية موالية للمخزن محكوم عليها بالطاعة الأبدية ما دامت رخصة النقل مجرد امتياز. هذا الوضع سيتم مراعاته من قبل واضعي مدونة السير الجديدة. فنظام العقوبات يطال كل مستعملي الطريق. وحسب معدل المخالفات المصرح بها في الإحصائيات الرسمية ومعدل الغرامات المنصوص عليها في مشروع القانون فان الطرق تشكل موردا ماليا يعوض ما يمكن أن تخسره ميزانية الدولة من عمليات الخوصصة في قطاعات أخرى كالنقل البحري والجوي. علاوة على ذلك ستستمر الطرق في تغذية حاجيات أجهزة المراقبة من الرشاوى، وسيتحول استعمال الطريق العمومي من حق إلى مجرد امتياز يمكن سحبه من المواطنين باسم حماية سلامتهم. هذه هي الأهداف السياسية والمالية المتوخاة من نظام المخالفات وتسعيرة الغرامات المنصوص عليها في مشروع مدونة السير : تعميق الطبيعة الأمنية للدولة (L'État sécuritaire) وتوفير موارد مالية جديدة لتغذية أجهزتها. 2- تندرج مدونة السير ضمن سياسة التحرير الليبرالي لقطاع النقل. فوزير النقل نفسه صرح أكثر من مرة ( طبعا قبل الإضراب) بان مدونة السير تندرج ضمن "إستراتيجية عامة تهدف إلى إعادة هيكلة هذه المهن على قاعدة معايير جديدة ". ادن يتعلق الامر بإعادة تنظيم المهن المرتبطة بالنقل على قاعدة معايير جديدة وليس بتحسين معايير السلامة الطرقية.. لكن ما هي هذه الإستراتيجية العامة ؟. تهدف هذه الإستراتيجية، كما يكشف عن ذلك رئيس فيدرالية النقل التابعة لكونفدرالية الباطرونا إلى: " جعل المنظومة القانونية ملائمة لقيام منافسة سليمة،ولتنمية القطاع من خلال تنمية مقاولات مواطنة للنقل الطرقي". الهدف ادن هو توفير "إطار قانوني" لتحرير خدمات النقل وفتحها على المنافسة بغية تنمية مقاولات النقل الطرقي . ومن اجل تحقيق هذه الأهداف( أهداف شركات النقل) يجب على الحكومة خوض حرب ضد كل ما من شانه أن يقف عائقا أمام هذه الأهداف. وليست السلامة الطرقية و حوادث السير سوى مزاعم لإضفاء الشرعية على "الحرب العامة" التي تشنها الشركات الرأسمالية الكبرى على النقل العمومي وعلى الشغيلة والمهنيين الصغار في قطاع النقل الطرقي، باعتبارهم يشكلون عائقا أمام التحرير التنافسي لخدمات النقل وتطور مقاولات النقل . الاتحاد الأوربي وتحرير النقل بالمغرب لكن من هي الجهات التي تقف وراء هذه "الإستراتيجية العامة" (إستراتيجية الحرب على النقل العمومي) التي تشكل مدونة السير احد آلياتها؟ هل هي الحكومة ( أم أن هذه الأخيرة تخوض فقط حربا بالوكالة) هل هو البرلمان (أم أن وظيفة هذا الأخير لا تتعدى المصادقة على إعلان الحرب)؟ يعود تاريخ هذه الإستراتيجية إلى سنة 2003. وهي موضوع اتفاقية مبرمة بين الحكومة ولجنة الاتحاد الأوربي من اجل تحرير قطاع النقل. وقد تبنتها الحكومة مقابل دعم مالي للاتحاد الأوربي. ويصل الغلاف المالي لبرنامج تحرير قطاع النقل إلى أزيد من 96 مليون اورو (حوالي مليار درهم) يتوزع إلى ثلاثة دفوعات. الشطر الأول(39600000اورو) الشطر الثاني(36 مليون اورو) الشطر الثالث(20مليون اورو). الشطر الأول والثاني تم تحصيلهما في 2004 و2005 .بينما الشطر الثالث من المفروض تحصيله في نهاية 2006 . وتنص هذه الاتفاقية على " تأهيل وملائمة الإطار التشريعي والمؤسساتي، وانسحاب الدولة،أي خوصصة الخدمات ذات الطبيعة التجارية والانفتاح على المنافسة والفاعلين الخواص، متى أمكن ذلك، فيما يخص تدبير البنيات التحتية للنقل، وتنمية مقاولات النقل بشكل سليم ، وتنافسي في السوق الدولية". وتشترط الاتفاقية من اجل تحصيل الأموال المرصودة لبرنامج تحرير النقل " احترام الشروط الخاصة بكل شطر" وبعد " التقويم الايجابي" و " الفحص" من قبل مصالح اللجنة الأوربية. وهو ما يعني أن وزارة النقل هي مسؤولية أمام اللجنة الأوربية أكثر منه أمام الحكومة أو البرلمان. أما البرنامج المنصوص عليه في هذه الاتفاقية فيشمل كل قطاعات النقل: (1) النقل الطرقي للبضائع(2) النقل البحري ونظام الموانئ(3)النقل الجوي.
النقل الطرقي للبضائع يهدف برنامج الاتفاقية مع الاتحاد الأوربي إلى استكمال "إصلاح"( تحرير) النقل الطرقي للبضائع الدي شرع فيه مع قانون 16/9. من بين الإجراءات التي تنص عليها الاتفاقية نجد: 1- تقنين الولوج إلى المهنة 2- خلق سوق للنقل الطرقي مندمجة وتنافسية 3- تقليص مخاطر انعدام السلامة الطرقية. النقل البحري أما برنامج إصلاح الملاحة التجارية المنصوص عليه في الاتفاقية فيهدف إلى إعادة "تأهيل"(إعادة الهيكلة) كل القوانين المنظمة للقطاع لملائمتها مع مدونة التجارة البحرية، وإعداد قوانين تنظيمية لمختلف المهن. وعلى مستوى الموانئ ينص البرنامج على 1- توحيد إدارة الموانئ2- الفصل بين وظيفة تدبير البنيات التحتية والخدمات التجارية( من اجل رفع هيمنة مكتب استغلال الموانئ)3- حل مكتب استغلال الموانئ وتعويضه بإدارة للموانئ مكلفة بتدبير البنيات التحتية وشركة مجهولة مكلفة بكل الأنشطة التجارية3- فتح كل الأنشطة داخل الموانئ على المنافسة. النقل الجوي يهدف برنامج إصلاح النقل الجوي الى1- تعزيز القدرات الأمنية للدولة 2- تحسين معرفة التدفقات المالية في قطاع النقل الجوي 3- تعزيز التنافسية والشفافية في قطاع النقــل الجوي4- وضع حد للنزاعات بين الفاعـلين الاساسيين 5- الانفتاح على المنافسة. نمادج من تطبيق الإصلاحات الليبرالية النقل البحري منذ 30 مارس2007 لم تعد شركة النقل البحري (كوماناف) شركة عمومية. وبذلك أصبح النقل البحري خاضعا لهيمنة المجمع الدولي الذي تقوده مجموعة فرنسية. تمت عملية تفويت شركة كوماناف في نفس الشهر الذي عرف فيه النقل الطرقي إضرابين. الكوماناف هي اكبر شركة للنقل في المغرب ورابع اكبر شركة عمومية تم تفويتها إلى الشركات المتعددة الجنسيات بعد اتصالات المغرب (فيفاندي) صوماكا(رونو) التبغ (التاديس). وهي تشغل أكثر من 1000 أجير. تم تفويت الكوماناف مقابل 200 مليون اورو. وهي تحقق أرباحا سنوية تصل إلى 9.1 مليون اورو. النقل الحضري بعد المرحلة الأولى في مسلسل تحرير النقل الحضري التي تم فيها الترخيص لشركات النقل الحضري للخواص . سيشرع في تطبيق الشطر الثاني. فبعد عقد التدبير المفوض للنقل الحضري بمدينة الدار البيضاء صادق مجلس المدينة بالرباط في دورة مارس على مشروع اتفاقية للتدبير المفوض للنقل الحضري. ينص مشروع الاتفاقية على تفويض تدبير النقل الحضري بالمدينة إلى مفوض واحد (شركة أو مجمع) لمدة 15 سنة. وهذا ما يعني نهاية عهد الوكالة المستقلة للنقل الحضري ونهاية النقل العمومي بالمدينة وضواحيها. النتائج الاجتماعية ستكون كارثية لعدة اعتبارات: احتكار تدبير النقل الحضري من قبل شركة خاصة سيؤدي إلى إفلاس شركات الخواص العاملة في المدينة والتي لا تفي بمستحقات مجلس المدينة لا كثر من أربع سنوات وتمارس نشاطها في وضع غير قانوني. هذا الوضع لا يسمح لها بالمشاركة في عملية المناقصة. وبمجرد شروع المفوض الجديد في تدبير القطاع ستشرع عدد من حافلات الخواص في تسريح عمالها. أما عمال الوكالة المستقلة للنقل الحضري فسيكونون أمام مصير مجهول ما دام الوكالة نفسها مصيرها مجهول. فتجمع " حافلات المدينة"( المتشكل من الوكالة المستقلة للنقل بباريس وشركتين للنقل بالمغرب وشركة مالية) الذي استفاد من عقد التدبير المفوض للنقل الحضري بمدينة الدار البيضاء ، لازال لحدود شهر مارس الأخير لم يسوي ملفات الضمان الاجتماعي لعمال حافلات المدينة. وهو ما دفع بعمال الوكالة المستقلة للنقل الحضري المدمجين في شركة حافلات المدينة(1500 عامل) ومتقاعدي الوكالة(500) إلى القيام بوقفة احتجاجية أمام مقر الولاية يوم 26مارس 2007 للمطالبة بتسوية وضعيتهم الاجتماعية بعد أن عجز مجلس المدينة وصندوق الضمان الاجتماعي عن الضغط على الشركة الفرنسية. ومن المحتمل أن يتكرر نفس السيناريو مع عمال الوكالة المستقلة للنقل الحضري بالرباط كما تكرر في قطاعات أخرى. فالخوصصة ليست عملية اقتصادية صرفة وهي لا تستهدف تغيير الوضع القانوني للشركة فحسب ، بل تستهدف أساسا تغيير شروط العمل في القطاع أو الشركة. هذا ما لا تدركه النقابات أو على الأصح تتجاهله حين تربط " نجاح التدبير المفوض بالحفاظ على مكتسبات الشغيلة"، بينما الحقيقة هي أن نجاح التدبير المفوض (خوصصة الخدمات العمومية) مرتبط بضرب حقوق العمال وتدمير مكتسباتهم الاجتماعية وتفكيك وحدتهم التنظيمية.
من منشورات التضامن
مدونة السير: سلامة الأرواح أم سلامة الأرباح؟
المواضيع المتشابهه
