لقد انفجرت في الشهور السابقة قضية الفساد الإداري والمالي داخل التعاضدية العامة لموظــــفي الإدارات العمومية بالمغرب, واكبها الإعلام وساهم في صياغة ذلك الانفجار ,الذي ليس في نهاية المطاف ,سوى زوبعة في فنجان ,تبقى أسبابها الحقيقية طي الكتمان .
لماذا التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية دون سواها؟,هل التعاضديات الأخرى منزهة عن التسيير البيروقراطي والاختلاسات؟.ما علاقة تلك التعاضديات بالدولة؟,/وكيف تمارس هذه الأخيرة الوصاية؟,بل ما علاقة تلك التعاضديات بالنقابات والأحزاب؟,وهل ضروري أن يكـــــون رؤساء هذه التعاضديات محسوبين على النقابات والأحزاب ؟.هل يكمن الخلل داخـــــل هـــــــــده التعاضديات في عدم تطبيق قوانينها الأساسية ,أم أن الخلل كل الخلل في النص القانوني المنظم لهده التعاضديات,أي الظهير الشريف لسنة 1963؟,وفي المحصلة الأخيرة ,من هم ضـــحايا هدا الواقع التعاضدي؟.
أولا.-في ظروف الانفجار
لقد ساهم ميل ميزان القوى لصالح رأسماليي الدولة, في بلقنة الحقلين السياسي والـــــــــــــــــنقابي وتفتيتها, الأمر الذي شجع الدولة على تحويل مؤسسات الحماية الاجتماعية, ومن ضـــــــــــــمنها التعاضديات, ريعا تستعمله كآلية للتفتيت ,به تقرب أو تبعد من تريد ,نقابات أو أحزاب أو نخب.وما يقع اليوم في التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية بالمغرب من صراع, يتقنع أطرافه أقنعة حزبية ونقابية, ليس إلا مسرح دمى تتحكم الدولة في خيوطه, عبر وصايتها المتحكمة بالقـــــــوانين
المنظمة لتلك التعاضديات.
لقد قدمت قضية ّالفراعّ على صفحات الجرائد على أنها استكمال لصراع الإخوة الذين كانت تجمعهم
الكونفدرالية الديموقراطية للشغل ذات يوم, استمرار للانشقاق الحزبي والنقابي الذي اندلع مند ســـنة 2001 ,مع دخول أطراف حزبية ونقابية أخرى على الخط للمطالبة في الخفاء بحصتها في كــــعكة التعاضدية .:وقد كرست التغطية الإعلامية هذه الأوهام في أوساط الحزبيين والنقابيين على السواء ,وكدا في صفوف المهتمين ,الأمر الذي يستدعي رفع اللبس على حيثيات هده القضية وتنـوير الرأي التعاضدي المغربي .
ثانيا-في البيروقراطية الداخلية
إن طبيعة القانون الأساسي للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية بالمغرب, وكباقي الأنظمة الأساسية لباقي التعاضديات ,قد ساهمت بشكل كبير في إنبات ونمو شريحة مسيرة تكتسب تــــــقاليد
البيروقراطية الفاسدة كلما لا يعكر صفوها احد, خصوصا الجهة الرسمية الوصية على القطــــــــاع .فالهشاشة التنظيمية للتعاضدية, التي تقصدها القانون الأساسي عمدا, بغرض فســـــــح المــــــــجال لانتـــــعاش تلك البيروقراطية ,لا يمكنها بالمطلق أن تخدم مصالح أغلبية المنخرطين وذوي الحقوق بطــــــريقة ديموقراطية وشفافة .فانتخابات مناديب الفروع بالطريقة التي يحددها القانون الأســاسي ليســـــــــت قاعدية ,بل أكثر من ذلك ,وعلى مستوى الممارسة ,يجهل اغلب المنخرطين التنـــــظيم التعاضدي الذي هم مؤسسوه بانخراطاتهم,ولا يهتمون حتى بالمحطات التنظيمية ,من جمــوع عامة وانتخابات ,الأمر الذي يجعل تلك المحطات صورية يتربص بها المتربصون المحسوبين علــــــى النقابات والأحــــزاب .
فمن مجموع مناديب الفروع المنخرطة في التعاضدية يتشكل الجمع العام الوطني ,’ومن هذا الجمع العام ينتخب مجلس الإدارة المحدد عدد أعضائه في 33 متصرفا ,وأخيرا ,ينتخب مجلس الإدارة هذا مكتبا مسيرا لا يتجاوز عدد أعضائه 8.
انطلاقا من هذه الصيغة التنظيمية التي تنتخب هياكل التعاضدية لمدة ست سنوات ,والتي لا ترســــو على تمثيل قاعدي حقيقي ,يتضح البعد التحكمي للدولة في صندوق التعاضدية ,مــع جعل هذا الأخير مشتلا لصرا عات بيروقراطية فاسدة تساهم في استغلال ونهب أموال المنخرطين .
إن تدبير صندوق يشترك فيه ما يقارب 350الف منخرط 850 ألف من ذوي الحقوق ,من قبل حفنة لا يتجاوز عددها 41 نفرا ,يثير عدم الارتياح في أوساط المهتمين والمنخرطين ,خصــــــوصا في غياب الجودة والفعالية في الخدمات المقدمة للمنخرطين وذوي الحقوق .وبحكم أن منـــخر طي هذا الصندوق هم شريحة من الأجراء والعمال ,فمن المفروض أن تقوم النقابة أو النقابـــات بدورها في حماية مصالح هذه الفئة ,لكن واقع الأمر غير ذلك ,بل عكس ذلك ,اذ تحولت النقابة أو النقابــــــات
إلى أدوات في يد رأسماليي الدولة لإفساد مثل هذه المؤسسة الاجتماعية والعبث بمصالح منخرطيها.
ثالثا-في الوصاية
لقد دأب رأسماليو الدولة على تحريك ملف فساد كلما دعت الضرورة إلى دلك.اذن ما هي دواعـــي الرأسماليين في تحريك ملف تعاضدية ّالفراعّ؟هل لاستبدال ّفراعّ بّفراعّ آخر ,في إطار سياسة العصا والجزرة التي تنهجها الدولة مع الأحزاب والنقابات والجمعيات والنخب؟, أم لدفع تلك الإطــــــارات حتى ترفع مطلب التعديل على مستوى الظهير المنظم لتلك التعاضديات ؟,ولماذا التعديل ؟هــــل لان ذلك الظهير يخلو من وصاية متحكمة؟,أم لإضافة مزيد من التحــــــكم يضمن النهـــــب القــــــانوني لصـــــــــناديق التعاضديات ؟".
إن الظهير الشريف رقم 187.57.1 المؤرخ في 24 جمادى الثانية1383المـــوافق 12نونبر 1963 لا يخلو من وصاية تمسك بخناق الأنظمة الأساسية للتعاضديات ,يستحيل أن يـــــكون تدبـــــيرها أو تسييرها ديموقراطيا وشفافا يسير في اتجــــــــاه الإشراك الجماعي لكافة المنـــــخرطين .يتجلى هذا التحكم في رقابتين أساسيتين, الرقابة التنــــظيمية والرقابـــــة المالية.
فالفصل رقم 14من قانون التعاضدية الخاص بالمراقبة المالية وكذا الفصـــــل رقم 53 من القـــانون الأساسي لهذه التعاضدية والخاص بالتعديلات ,وفي فقرته الأخيرة يبرزان كيف أن رأسماليي الدولة لا ينوون في التفريط في صناديق هذه التعاضديات ,ما دامت تشكل بالنــــــــــــسبة إليهم موردا ماليا يستثمرونه لصالحهم الخاص .فالجمع العام الذي يشكل أعـــلى هيئة تقريرية داخل هذه التعاضديات, لا يمكنه أن يفعل قرارات التعديل على مستوى القانـــــــــــون الأساســــي إلا بمـــــوافقة الوزارتين الوصيتين ,وزارة الشغل ووزارة المالية .كما لا تستطيع الهيـــــــاكل التقريرية للتعاضــــديات , أن تتصرف في أموال المساهمين والمشتركين دون موافقة الجهات الوصية.
من خلال الآليتان السالفتين الذكر ,واللتان تشكــــلان العمود الفقري لهذا القانون المنظم للتعاضديات تفوح رائحة التحكم والاستفراد بموارد قســـم مــــن الحماية الاجتماعية لموظفي الدولة.
فالرقابة التنظيمية والمالية هما آليتان تحكميتان, بواسطتهما استطاع رأسماليو الدولة إدارة شــــؤون التعاضيات بالشكل الذي خططوا له, بحيث تلعب الرقابة التنظيمية دور الكابح لكل ديموقراطــــــية
داخلية مفترضة, ولكل استقلالية تنظيمية لهذه التعاضديات ,الأمر الذي يفسح المجال لتحـــويل هذه الأخيرة إلى مشاتل لاستنبات بيروقراطيات متعاونة قانعة بما تحوزه من امتيازات .أمـــــــا الرقابة
المالية فهي آلية للردع,ردع كل بيروقراطية جشعة تتجاوز الحدود المسطرة لها .فالامتيازات الغير القانونية والاختلاسات المالية المتراكمة داخل التعاضديات بشكل عام,والتي تراقــــها دولــــــــــــة الرأسماليين عن كتب ,تسهل على هذه الأخيرة ,وقتما تشاء ,عملية التحرك لمزيد من الهجوم عــلى صناديق هذه التعاضديات ونهب أموال منخر طيها .
رابعا-خلاصة
يدفعنا هذا الواقع التعاضدي لاستخلاص حقيقة مفادها أن التسيير الديموقراطي والشفاف لــــهذه التعاضديات ,وباقي أنظمة الحماية الاجتماعية ,مازال بعيد المنال في غياب الإشراك الجماعــــــي لمنخر طي هذه التعاضديات في التسيير والتدبير والاستفادة من خدمات جيدة ,والرفع من وعيهم التعاضدي في أفق التسيير الذاتي لأنظمة الحماية الاجتماعية واستقلالها عن كل وصاية رســمية كانت أو حزبية ونقابية.
التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية بالمغرب
المواضيع المتشابهه
