قلت أن الكتاب المدرسي الحالي لا يتلائم و التدريس بواسطة الإدماج،وهذه الملاحظة لم أنبس بها عبثا،بل لي مصادري ،التي اعتمدت عليها في الإشارة لهذا المشكل.
الكتب الحالية لم تعد صالحة للتدريس من وجهة نظر بيداغوجيا الإدماج،مما يؤثر سلبا على التصورات و الأفكار،التي يتقدم بها العديد من الأساتذة سواء في الامتحان المهني ، أو في امتحانات أخرى كامتحان مركز تكوين المفتشين،فالحذر ثم الحذر،لأن الأسئلة التي تطرح في العادة تتضمن إمكانية تجاوز خصائص الكتب المدرسية الحالية،مما يوقع الكثير من الأساتذة في الخطأ،و يمكن أن نرد طبيعة هذا الخطأ لما يلي:
_ كان على الوزارة وعلى أقل تقدير إرسال مذكرة وزارية تشير فيها،إلى عدم صلاحية الكتب المدرسية الحالية،و بالتالي على السادة الأساتذة تكييف محتوياتها و مضامينها مع ما جاءت به بيداغوجية الإدماج.
_ عدم إشارة السادة المفتشين لهذا المأزق المعرفي،مما يؤثر سلبا على مردودية المتعلمين.
_ عدم تخصيص لقاءات تربوية تتناول هذا المشكل،فمادامت الكتب المدرسية الحالية غير صالحة للتدريس،ومادام زمن تطبيق مقتضيات الميثاق قد انصرم،فلما لا تدعو الوزارة لتأليف كتب جديدة؟
الوزارة و من خلال موقعها على الشبكة أشارت إلى هذا المشكل،بل تقدمت بمجموعة من التساؤلات للأساتذة1;2،و لكن الملاحظ أن هذه الإشارة جاءت بمثابة "كم حاجة قضيناها بتركها"،فإعادة النظر في الكتب المدرسية الحالية تحتاج للتعبئة القوية،مستبعدة المشاكل التي طرأت في السابق مثل التأليف العائلي،بمعنى كل مفتش أو أستاذ جامعي يشرك في عملية التأليف زوجته و ما يعرف من أصدقاءه،و لما تتصفح الكتاب المدرسي،تجد فلان و فلان،بمعنى عدم شفافية عملية التأليف( أنظر التقرير الآخيرالمجلس الأعلى للتعليم 1) 2() مما أثر سلبا على طبيعة الكتب الصادرة، ففي أحيان كثيرة،كانت لا تتماشى و طبيعة الوسط الذي ستطبق فيه.
الكتاب المدرسي من منظور بيداغوجية الإدماج:كزافيي رودجيرز:
اعتبارا لما اشرت إليه سابقا من عدم صلاحية الكتاب المدرسي الحالي،وعدم ملائمته للتدريس بواسطة بيداغوجيا الإدماج،فكيف يتصور كزافي رودجيرز الكتاب المدرسي؟
ضمن كتابه الصادر و المعنون" ببيداغوجيا الإدماج "،افرد الباحث حيزا لا بأس به للحديث عن شروط و خصائص تأليف الكتاب المدرسي ،فماذا قال:
" يذكرنا المؤلف في البداية بوظائف الكتاب المدرسي المتمثلة في:
_ نقل المعارف و تنمية القدرات و الكفايات وتدعيم المكتسبات و تقويمها و المساعدة على إدماجها،فضلا عن قيامه بوظيفة مرجعية و بالتربية الاجتماعية و الثقافية.
وقد لاحظ بأن هذه الوظائف جميعها متلائمة مع المقاربة الإدماجية للتعلمات، التي تروم تنمية القدرات و الكفايات و .و لكي يكون الكتاب المدرسي مدمجا،عليه أن يخضع لشرطين على الأقل وهما:
* تضمنه لبعض الكفايات التي يتعين تنميتها.
*تضمنه لأنشطة إدماجية متمحورة حول هذه الكفايات
وبهذا الصدد اقترح" رودجيرز" خمس مراحل اساسية لبناء كتاب مدرسي مدمج وهي:
_تحديد بعض الكفايات
_ إدراج أنشطة الإدماج داخل الكتاب المدرسي.
_ حذف المضامين الزائدة.
_ تنمية جوانب خاصة بالكفايات.
_ بنينة جديدة و تامة للكتاب المدرسي من منظور تنمية الكفايات.
وقد نبهنا المؤلف إلى أن الأمر يتعلق فقط بأفكار عامة حول الكتاب المدرسي،انطلاقا من تصور إدماجي،أما إذا ما أردنا الحصول على معلومات مفصلة تخص هذا الموضوع،فيمكننا الرجوع إلى كتاب"فرنسوا ريشودو" حول تصور وإنتاج الكتب المدرسية
ونقترح الآن الوقوف بشكل مختصر على كل مرحلة من هذه المراحل الخمس.
1_ تحديد بعض الكفايات:
إن إدراج بعض أنشطة الإدماج داخل الكتاب المدرسي يعتبر غير كاف،لذلك يتعين معرفة كيفية توجيه هذه الأنشطة و تحديد الكفايات المساعدة على توجيهها.و يقترح( روجدجيرز) اعتمادا ما بين أربعة الى ست كفايات في كل كتاب مدرسي،لأن تحديد عدد أقل نادرا ما يسمح بتنمية المضامين المطلوبة ،أما إذا كان العدد أكبر،فإنه يضعف الخاصية الإدماجية للكتاب المدرسي.
2_إدراج أنشطة الإدماج:
.يستدعي التعلم بواسطة الإدماج الأنشطة التالية:أنشطة الاستكشاف وحل المشكلات و التعلم النسقي و البنينة و التقويم و المعالجة.و الملاحظ ان هذين النشاطين الأخيرين يظلان هامشيين داخل الكتاب المدرسي.وتتميز أنشطة الإدماج بتمركزها حول التلميذ باعتباره فاعلا،وتحيين مجموعة من الموارد و اكتساب معنى بالنسبة للمتعلم و تضمنها لما هو جديد باستمرار.
3_ حذف المضامين الزائدة:
.ما يميز الكتاب المدرسي هو غزارة المحتويات ، و يرجع ذلك إلى عدة عوامل نذكر من بينها:كون عدد كبير من الكتب المدرسية يرتبط بثقافة مدرسية تثمن كثافة المضامين،وكون المناهج و المقررات تتضمن هذه الكثافة اصلا، و لأن الكتاب المدرسي ينجز من طرف المتخصصين في المادة،فإن التصور السائد حول التلميذ هو اعتباره بمثابة وعاء يتعين ملؤه بالمعارف.
وعلى الرغم من ان بيداغوجيا الإدماج لا تنكر دور هذه المحتويات،الا انها تؤكد على ضرورة ملاءمتها للكفايات التي يجب تعبئتها،فإن المحتوى لا يعتبر ملائما إلا اذا ما ساهم في اكتساب الكفاية،وتبدو عملية الحذف ذات اهمية كبرى في المدرسة الابتدائية،حيث يكون المطلوب هو تنمية الكفايات الأساسية.
4_ تنمية الجوانب الخاصة بالكفايات:
.يجب علينا أن ناخذ صنفين من التوجهات بعين الاعتبار:صنف أول يهتم بالقدرات الضرورية لاكتساب الكفاية،مثلا،إذا كانت الكفاية تستدعي القيام بعرض شفهي،فإن المطلوب هو أن ننمي لدى التلميذ القدرة على تبليغ رسالة شفهية.أما الصنف الثاني،فيسعى إلى تنمية ثقافة الإدماج و يخضع للمبادئ التالية:
* بنينة الكفايات حول كفاية موجهة.
*أخذ تمثلات التلاميذ بعين الاعتبار.
*التحفيز على تعبئة المعارف المنهجية
*الاهتمام بتنوع العمليات الذهنية و أنماط الحلول لدى التلاميذ.
*تشجيع التداخل و التقابل بين المواد
*وضع ألأمثلة في سياقاتها.
*تعليم التلاميذ كيفية مواجهة تعقد الوضعية.
5_ البنينة التامة للكتاب المدرسي من منظور تنمية الكفايات:
توجد مقاربتان بهذا الخصوص:
* مقاربة" مركزة" للكفايات التي تعالج تباعا داخل الكتاب المدرسي.
* مقاربة" مرافقة" أو" متزامنة" للكفايات التي يتم تنميتها في نفس الوقت.
وتتجلى مزايا المقاربة المركزة للكفاية في تمكن التلميذ من ادراك التماسك المنهجي الحاصل بين عناصرها ووضوح الكفاية الموجهة بالنسبة إليه وتمكنه من معالجة تعقد الوضعية.
أما سلبياتها ،فتتمثل في إمكانية شعور التلميذ بالملل وعدم توفره على الوقت الكافي لإدماج مكتسباته.وكيفما كان الحال،فإن التلميذ مطالب بتنظيم تعلمه عبر الإدماج التدريجي للمكتسبات.
و الخلاصة هي أن الكتاب المدرسي مطالب بتجاوز تنمية المعارف لدى المتعلم،و اقتراح أنشطة تسمح بتطوير المكتسبات و تقويمها و العمل على إدماجها.
انتهت الدراسة
مصدر هذه الدراسة:
مجلة دفاتر التربية و التكوين العدد 3
حول:الكتاب المدرسي و الوسائط التعليمية(تصور الكتاب المدرسي من منظور بيداغوجيا الإدماج- قراءة في كتاب لكزافيي رودجيرز/عز الدين الخطابي ص:59/58/57/56
بالتوفيق للجميع
مع تحيات اكمال الزبدي
تربية بوان كوم