كلما اقترب موعد الإفطار، خلال شهر رمضان، وحمل معه تلك الروائح الزكية، من "الحريرة" وما شاكل، إلا وتندلع شرارة الغضب، في عيون مواطنين أعياهم الصيام،
وأحسوا بأن الوقت يمر بطيئا وكأنه مجرور بكرات حديدية تأبى أن تتحرك من مكانها، فيعلنون حالة تمرد تأتي على الأخضر واليابس، ويصبحون على "سبة"، وتندلع مواجهات على أتفه الأمور، وتكون لها ردود فعل تصل إلى درجة المحظور.
فيوم الأربعاء المنصرم، لم يجد شاب، لم يتجاوز عقده الثالث، بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء، من التعبير عن "ترمضينته"، غير الهرولة مسرعا إلى بيته المتواضع بدرب لوبيلة، ليحضر مطرقة كبيرة، ويهوي بها على رأس شاب قادته أقداره ذلك اليوم أن يدخل في مشاداة كلامية مع شخص سريع الغضب، ومتقلب المزاج، وانتهى الأمر باعتقال صاحب المطرقة، الذي لم تكفه ضربة واحدة على رأس غريمه، بل أردفها بعدة طرقات، ما استدعى نقل الضحية إلى قسم المستعجلات بمستشفى ابن يوسف لترميم ما أفسده مواطن "مرمضن"، طلعت "قردته إلى السطح"، قبيل الإفطار بقليل.
وإذا كان نهار رمضان يتميز بإغلاق كل محلات الإطعام، وتباطؤ في وتيرة الحياة العامة، فإن اقتراب موعد الإفطار يشهد حالة استنفار في الشوارع والأزقة، وحتى الدوائر الأمنية، إذ توصلت مصالح الأمن بالدارالبيضاء بتعليمات ولائية لتكثيف جهودها مع اقتراب موعد الإفطار، والخروج من الدوائر الأمنية لترصد المشتبه بهم، الذين تفتح شهيتهم للسرقة والاعتداءات، فضلا عن مواطنين بلا شبهات، تدخلهم "ترمضينتهم" في منازعات ومشاحنات قد تنتهي بما لا يحمد عقباه.
وعلمت "المغربية" أن دوائر أمنية تابعة لولاية الدارالبيضاء أنفا تلقت، خلال الأسبوع المنصرم، عشرات الشكايات المتعلقة بالسرقة بالخطف باستعمال دراجات نارية بمحركات ذات سرعة عالية.
وحسب شكايات توصلت بها عدد من المصالح الأمنية، وعلى رأسها الشرطة القضائية بولاية أمن أنفا، فإن المدينة القديمة وشارع الجيش الملكي ومنطقة سيدي عثمان ومولاي رشيد، سجلت ارتفاعا في معدل السرقات بالخطف، والسرقات بالنشل، خلال الأيام الثلاثة الأولى من هذا الشهر الفضيل.
وفي الوقت الذي لا يعرف البعض من شهر الصيام غير التفكير بأشهى صنوف الأكل على الإفطار وملء البطون، تجد آخرين لا تنههم قدسية الشهر عن ارتكاب الجرائم، خصوصا قبيل موعد آذان المغرب بقليل، وللعلم فقط، فإن الأسباب رمضانية محضة، فبالحي الحسني بالدارالبيضاء أقدم، أخيرا، شاب على ارتكاب جريمة قتل في حق مدربه، الذي رفض أن يشركه في مباراة لكرة القدم، دارت أطوارها بالشارع العام، فما كان من هذا الأخير إلا التخلي عن كرسيه في دكة الاحتياط، وشحذ همته للحصول على سكين من الحجم الكبير، ليطعن المدرب.
حالة أخرى من العصبية وسرعة الغضب والتململ والصداع وضعف التركيز وانخفاض المزاج والقلق وضعف الذاكرة واضطراب النوم، وغيرها من الأعراض، يمكن أن تكون، كلها أو بعضها، وراء إقدام زوج على رش شريكة حياته بماء النار، يوم الأربعاء المنصرم، بحي مولاي رشيد بالدارالبيضاء، والقصة وما فيها أن الرجل "المقطوع" عن التدخين، كما صرح لرجال الضابطة القضائية، عيرته زوجته وقالت إنه "مفضي"، بعد أن ضاقت ذرعا برائحة الطلاء، الذي كان يزين به بابا حديديا أهم ما يميزه الصدأ الذي يعلوه.
"ترمضينة" بعض المواطنين يدفع ضريبتها رجال الأمن، الذين يمكن أن يقطعوا صيامهم، داخل محلبة، للعودة إلى المداومة، بل يمكن أن تنقلب الآية، فيفجر بعض رجال الأمن "ترمضينتهم" في مواطنين، مثلما حدث لمفتش شرطة، يوم الاثنين الماضي، كسر يد شاب كان يجلس خلفه بإحدى حافلات نقل المدينة، كانت ممتلئة عن آخرها. والحكاية أن الشرطي طفح به الكيل، وهو يسمع ساخطا كلام الشاب عن رجال الأمن بالدارالبيضاء، يصفهم بأقذع الصفات، يسبهم ويشتم البطون التي حملتهم، فيما كان الشرطي أمامه يبذل جهدا مضاعفا لكظم غيظه، والاحتفاظ بهدوئه، إلى أن وقفت الحافلة، فنزل الشرطي، وأسرع نحو النافذة التي يجلس بجانبها الشاب "المترمضن" على البوليس، ليكسر يده بواسطة "المينوط"، ويلوذ بالفرار نحو أزقة بحي عين الشق، ليلحق موعد الفطور، وحال لسانه يقول "اللي بغا الأمن الله يسلطو عليه".
"المغربية"
'ترمضينة' باعتداءات وإزهاق أرواح
المواضيع المتشابهه
