هل تراجعت سمعة النقابات وأضحت قرارتها غير مؤثرة؟
هسبريس - إسماعيل عزام
السبت 02 ماي 2015 - 09:05
للمرة الأولى في تاريخ العمل النقابي بالمغرب، تقرّر المركزيات النقابية المغربية، مقاطعة الاحتفالات الخاصة باليوم العالمي للشغل، وإفراغ الشوارع في هذا اليوم من العمال. بدأت هذا القرار أوّلًا المركزيات الثلاث: الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل، ثم التحقت به نقابة الاتحاد العام للشغالين والجناح الثاني داخل "ف.د.ش"، بينما لم تقبله نقابات أخرى كـ"المنظمة الديمقراطية للشغل" و"الاتحاد الوطني للشغل".
خلفيات القرار كما عدّدتها بيانات النقابات الغاضبة لم تخرج عمّا هو مألوف من انتقاد السياسات الحكومية التي '"تغيّب الحوار الاجتماعي وتضرب القدرة الشرائية للمواطنين وما إلى ذلك". إلّا أن قرارًا بهذا الحجم، لم يمر دون انتقادات كبيرة من المتتبعين للنقابات، ليس فقط من المناوئين وأصحاب الحسابات السياسية الضيّقة، بل حتى من المتعاطفين مع العمل النقابي والساخطين على سياسات بنكيران.
فإن كانت محطة إضراب 29 أكتوبر 2014 قد خلّفت انقسامًا واضحًا لدى المتتبعين في الشبكات الاجتماعية بين مؤيّد ومعارض، فإن ما ساد خلال الأيام الماضية حول القرار الجديد، كان في الغالب ساخرًا من إلغاء المركزيات لليوم الوحيد الذي يخصّص للاحتفاء بالعامل عبر العالم. كما أن بعض التنظيمات التي تناهض الرأسماليين، كجمعية "أطاك المغرب"، أعلنت في بيان لها استغرابها الواضح للقرار، مبرزة أن مقاطعة الاحتفالات لا تخدم مصلحة الطبقة العاملة.
مشاكل النقابات الداخلية
المشاكل العديدة التي يعيشها الصف النقابي، قد تكون من الأسباب التي جعلت هذا اليوم يتحوّل إلى مجرد عطلة للخروج من روتين العمل، فالنقابات تعيش تشتتًا أكثر منه تعددية، ونسبة العمال والموظفين المنخرطين في النقابات لا تزال ضعيفة في غالبية القطاعات، والكثير من زعمائها لا يتغيّرون، إذ هناك منهم من عمٍّر في كرسيه لعقود رغم تقدمه في السن وتدهور حالته الصحية.
"هناك مشكل في زعامات النقابات، فالبدائل غير موجودة، وهناك مشكل في الاستراتيجيات التي تباشرها، كما أن المحيط الذي تؤطره لم يعد يتأثر كثيرًا بقراراتها كما في السابق، دون أن ننسى أن ما تعيشه الأحزاب السياسية من مشاكل ينعكس سلبًا على العمل النقابي. لقد آن الآوان أن تنتج النقابات المغربية خطابًا نقديًا لعملها بدل رمي كل مشاكل الطبقة العاملة على الحكومة". تقول صباح بنداوود، صحافية بالإذاعة الوطنية لهسبريس.
بين الحكومة والنقابات
غير أن إلغاء النقابات لاحتفالات اليوم العالمي للشغل لن يسجّل عليها وحدها، كما تقول بنداوود، فالحكومة كذلك سيُسجل عليها أن عهدها عرف هذا القرار غير المسبوق وأنها فشلت في احتواء مطالب النقابات، الأمر الذي سيؤثر على الحوار الاجتماعي وعلى علاقتها بالطبقة الشغيلة.
"إن كانت هذه المقاطعة لن تدفع الحكومة إلى تغيير طبيعة عملها نظرًا للظرفية الوطنية والعالمية، فإن بحثها عن صيغ أخرى للتداول والتقارب مع النقابات أضحى أمرًا عاجلًا، فبغض النظر عن المشاكل الداخلية للنقابات، وعدم استفادتها من أجواء ما بعد حراك 2011، فمطالبها تبقى مشروعة، ولا يزال لبعضها امتداد داخل المجتمع" تؤكد بنداوود.
المطالب المشروعة للنقابات عبّرت عنها أكثر من مرة، فهي تطالب بالرفع من الأجور وتحسين ظروف العمل وتمكين الموظفين من الترقية والحدّ من رفع الأسعار وعدم جعل الطبقة العاملة حطبًا للتوازنات المالية، يؤكد هنا العربي الحبشي، عضو المكتب التنفيذي لـ"ف.د.ش"، مشيرًا في تصريحاته لهسبريس إلى أن الحكومة لم "تحقق للعمال أيّ مكاسب يمكن أن يحتفلوا بها في هذا اليوم، خاصة وأنها لم تقدم أيّ إجراء يخدم مصالحهم، ولا تقدّم ما يرقى بهم اجتماعيًا".
النقابات: كان هذا حلنا الأخير
يتحدث الحبشي أن اللجوء إلى هذا القرار لم يكن أمرًا سهلًا، شأنه في ذلك شأن الإضراب العام ليوم 29 أكتوبر 2014، مبرزًا أن مقاطعة الاحتفالات ليست سوى البداية، فهناك مبادرات أخرى ستعلن عنها المركزيات، منها إضراب عام جديد، ومسيرات وطنية وجهوية، واعتصامات متعددة، أي أن خط المواجهة مع الحكومة، لن يتوقف في هذا اليوم.
ويرّد عضو المكتب التنفيذي لـ"ف.د.ش"، على الأصوات المنتقدة لقرارات النقابات الأخيرة:" الأكيد أن للجميع حرية التعليق، لكننا نعي أن إلغاء الاحتفالات قرار ناجح، وقد توصلنا بتهنئات عدة نقابات عالمية، تحيي مبادرتنا أمام تعنت بنكيران، زد على ذلك أن إضراب 29 أكتوبر كان ناجحًا، والدليل أرقام الموظفين الذين استجابوا له".
ويضيف الحبشي: "هناك أصحاب مصالح لا يلتزمون بحقوق عمالهم، ويعملون بكل جهد للتشويش على العمل النقابي في هذا البلد ومحاولة تشويهه. يجب أن نعي جميعًا أن قوة النقابات تصبّ في مصلحة البلد ككل، وأن معاركنا النضالية تخدم المواطن أولًا وأخيرًا، ولا يمكن أن يعرف الخير طريقًا لهذا البلد دون تحسين أوضاع عماله".
تداخل السياسي مع النقابي
الروابط المعلن منها وغير المعلن بين النقابات وبعض الأحزاب السياسية قد تزيد من هوّة الخلاف بينها وبين الحكومة، فالاتحاد العام للشغالين هي ذراع بيّن لحزب الاستقلال الذي يكيل زعيمه الاتهامات بشكل يومي لبنكيران، والفدرالية الديمقراطية للشغل مقرّبة من الاتحاد الاشتراكي، والمركزيتين المتبقيتين لديهما ارتباطات واضحة باليسار المُعارض، سواء من حيث المنشأ أو تركيبة الأعضاء.
لذلك، يظهر أن أكبر تحدٍ تواجهه النقابات المغربية، هو ارتباط الكثير منها بالأحزاب السياسية، إذ تقول صباح بنداوود، "هذا القرار غير المسبوق مغّلف بإطار سياسي، فمهما بلغت قوة هذه النقابات، فهي تملك امتدادات سياسية وتتأثر بالطابع السياسي الحالي. زد على ذلك أن ما يقع حاليًا بين الحكومة والمعارضة من تناوش يؤثر في القرارات الداخلية للنقابات".
في الجانب الآخر، يشير الحبشي أن هذا الإضراب لا يحمل لبوسًا إيديولوجيًا وسياسيًا ضد الحكومة الحالية، مبرزًا أن النقابات كانت تحتج على الدوام في فترات الحكومات السابقة: "أرغمنا عبد الرحمن اليوسفي على الحوار، ووصلنا معه إلى تعاقد 30 أبريل عام 2000، تظاهرنا ضد إدريس جطو ووصلنا معه إلى اتفاق 23 أبريل 2003، وتظاهرنا ضد عباس الفاسي، ووصلنا إلى اتفاق 26 أبريل 2011. أما بنكيران، فلا يريد الوصول معنا إلى اتفاق، ولا أن يمكّن الطبقة العاملة من أيّ مكاسب".
وبين تأكيد النقابات على دفاعها عن العامل البسيط، وتأكيد رئيس الحكومة أنه لا يبتغي من سياساته غير الصالح العام، يظهر عيد الشغل كئيبًا في هذا العام، ليس بالضرورة لأن غالبية النقابات قرّرت إلغاء احتفالاتها، ولكن لأن السياق اختلف كثيرًا بين عقود كان فيها قرار رفاق نوبير الأموي كافيًا لإحداث الفرق، وعقد صارت فيه الإضرابات النقابية مجرّد عادة دورية، في ظل حكومة تعاني من تصدعات ستصل بها إلى تعديل حكومي ثالث، ونقابات صارت مدعوة اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى وقفة حقيقية مع الذات.