مشروعية مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين بوزارة التربية الوطنية(دورة ماي 2012)
د.عبد الجبار كريمي
كثر الحديث في الأيام القليلة الماضية، وخصوصا بعد لقاء السيد وزير التربية الوطنية بالنقابات الخمس بمركز التكوينات و الملتقيات بالرباط يوم 25 يوليوز 2012، وتعبيره عن نيته إلغاء نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بسب كثرة الطعون التي استهدفت الخروقات التي شابت المباراة، وأيضا بسبب دعوى قضائية، على حد قول السيد الوزير، رفعها أشخاص من خارج المنظومة التعليمية يطالبون بحقهم في اجتياز المباراة المذكورة .
يجب أولا قبل كل شيء التأكيد على أن المباراة بمختلف المراكز مرت بظروف جيدة. بدءا بمرحلة الانتقاء الأولي كما صرح بذلك السيد الوزير عبر مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، إلى مرحلة المقابلة وتحديد الناجحين فيها، والذي لم يتم الإعلان عنهم لحد الآن، علما أنه لا تفصلنا سوى أيام قليلة عن انطلاق الموسم الدراسي المقبل 2012-2013، وهو موعد انطلاق العمل بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وهي المؤسسات التي سيشتغل بها الأساتذة الناجحون في المباراة. إضافة إلى أن المباراة تمت تحت إشراف لجان أكفاء مكونين من أساتذة التعليم العالي العاملين بمختلف الجامعات والمعاهد المغربية. فالوزير إذا كان فعلا ينوي إلغاء المباراة، فهو بذلك يضرب عرض الحائط: أولا مصداقية الوزارة التي سبق وأن أثنت على هذه المباراة وعلى الظروف التي مرت بها، ثانيا الإلغاء يشكك في نزاهة اللجان التي أشرفت على المباراة ، والتي سبق للوزارة أيضا أن نوهت بمجوداتها أثناء المباراة، والتي لايمكن الطعن فيها بعد ذلك.
أما بخصوص الجوانب القانونية للمباراة، فهذه كان على السيد الوزير بحثها مع مستشاريه داخل الوزارة قبل الإعلان عن المباراة، بل حتى بعد الإعلان عنها، حيث يمكن تدارك الأمر بإعلان أخر يلغي الإعلان الأول إلى وقت لاحق كما فعل السيد رئيس الحكومة بالنسبة لباقي المباريات. أما والحالة التي بين أيدينا، فإنه لم يعد من حق السيد الوزير إلغاء نتائج المباراة، خصوصا بعدما قطعت جميع مراحلها، ولم يبق إلا الإعلان عن النتائج النهائية.
قبل أن نستطرد في الحديث عن مشروعية الإلغاء لابد وأن نعمق البحث في النصوص القانونية المعتمدة في تنظيم مثل هذه المباراة، ويتعلق الأمر بالمرسوم رقم 804-96-2 الصادر في 19 فبراير 1997 في شأن النظام الأساسي الخاص بالأساتذة الباحثين بمؤسسات تكوين الأطر العليا. فحسب المادة 21 من المرسوم المذكور: "يوظف أساتذة التعليم العالي المساعدين بكل مؤسسة معنية على اثر مباراة تفتح في وجه المترشحين من حملة الدكتوراه أو أية شهادة أخرى معترف بمعادلتها لها . و تحدد إجراءات تنظيم المباراة الخاصة بتوظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين بقرار السلطة الحكومية المكلفة بتكوين الأطر بعد استطلاع رأي مجلس التنسيق". من الواضح أن الوزارة احترمت هذه المادة لما أعلنت عن هذه المباراة، وذلك لأنه لا يمكن توظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين إلا عن طريق المباراة، مما يفند أقاويل البعض الذين يعتبرون العملية عبارة عن تغيير الإطار لدكاترة التربية الوطنية. و بالتالي فهي اتخذت جميع الإجراءات اللازمة لتنظيم المباراة كما هو مبين في الفقرة الثانية من المادة 21 من المرسوم المنظم لها، حيث أنه يحق لوزير التربية الوطنية في هذه الحالة، بعد استطلاع رأي مجلس التنسيق، المُشَكَّل للنظر في هذا الأمر، أن يقرر جميع الإجراءات والتدابير المناسبة واللازمة لتنظيم المباراة، بما في ذلك تحديد الشروط التي يجب أن تتوفر في المترشحين. فالوزارة في حالة المبارتين ( دورة 2010 ودورة 2012) ، تتوفر على العدد الكافي من الدكاترة في جميع التخصصات الذين يحق لهم الترشح لاجتياز المباراة، و بالتالي فهي ليست ملزمة بفتح المباراة في وجه العموم، بالإضافة إلى كون مجال التربية الوطنية يحتاج إلى أساتذة ممارسين في الميدان ويتوفرون على تجربة محترمة تمكنهم من تكوين وتأطير الطلبة الأساتذة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. الشيء الذي يكون معه قبول المترشحين الذين تتجاوز أعمارهم السن 45 سنة و هو الحد الأقصى لغير الموظفين. وتجدر الإشارة إلى أن المناصب المخصصة للمباراة هي حكرا على وزارة التربية الوطنية حسب قانون المالية لسنة 2012، فالعملية هي عملية تحويل المناصب المالية داخل نفس الوزارة بمعنى أن هذه التوظيفات لن ترهق ميزانية الدولة، مما يبين أن قرار الوزارة بتنظيم المباراة يستند على أساس قانوني ولا غبار عليه.
أما بخصوص الطعون التي يتحدث عنها السيد الوزير، فهي ليست عامة، فقط تهم نتائج بعض المراكز مما يتطلب معه معالجتها على حدة دون التأثير على باقي نتائج المراكز الأخرى . ونظرا لاستقلالية مراكز التكوين، كان الأجدر بالوزير أن يقوم بنشر النتائج الجزئية المعتمدة حسب كل مركز و تأجيل نتائج المراكز الأخرى إلى حين البث في الطعون. و لا يمكن في أي حال من الأحوال إلغاء المباراة بأكملها بسبب طعون جزئية وليست كلية.
إن السيد الوزير يعلل نيته إلغاء نتائج المباراة بسبب خروقات شابتها. لكن، من المعلوم أن السيد الوفا أثنى وأشاد بالظروف التي مرت بها عمليات الانتقاء الأولي، و قد صرح السيد الوزير شخصيا بهذا، والتصريح تم نشره على موقع الوزارة مباشرة بعد نشر نتائج الانتقاء الأولي قبل موعد المقابلات. لماذا يتحدث هذا الوزير إذا بهذه الطريقة وفي هذا الوقت بالذات؟ فلا مجال للمزاجية في قطاع التربية، خصوصا وأننا مقبلون على موسم دراسي جديد بتجربة جديدة لعلها تمكن من تجاوز عثرات هذا القطاع الذي عانى كثيرا من سوء التدبير. فكيف يصرح الوزير بأنه يتجه إلى إلغاء نتائج المباريات إلى حين تدارس الأمر مع النقابات؟ ما الذي سيكون موضوع الدراسة والنتائج جاهزة لا تنتظر سوى إشارة السيد الوزير؟ فلا يحق للوزير أن يجعل من موضوع النتائج ورقة يضغط بها على النقابات أو العكس.
إن هذا الملف استكمل جميع مراحله وأصبح في منأى عن كل المشادات و بالتالي لا يحق لأي طرف أن يخوض فيه سوى ما كان من الإعلان النهائي للنتائج.
و ختاما، من هذا المنبر أدعو السيد الوزير إلى مزيد من التبصر من أجل حل مشاكل الدكاترة، لأنهم مستعدون للدفاع عن حقوقهم المكتسبة بجميع الوسائل المشروعة. و ما ضاع حق وراءه طالب.