مفاهيم أدبية..... الومضوع الأول: الانزياح - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



أدوات الموضوع

الصورة الرمزية أبو فراس
أبو فراس
:: دفاتري فعال ::
تاريخ التسجيل: 5 - 2 - 2008
المشاركات: 689
معدل تقييم المستوى: 268
أبو فراس على طريق التميزأبو فراس على طريق التميز
أبو فراس غير متواجد حالياً
نشاط [ أبو فراس ]
قوة السمعة:268
قديم 08-12-2008, 14:33 المشاركة 1   
افتراضي مفاهيم أدبية..... الومضوع الأول: الانزياح

مفهوم الانزياح في الشعر:
الموضوع الأول:
توطئة :
قيل :" إن الابداع هو النظر إلى الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة ".
ويقول بول فاليري إن الشعر ( لغة داخل لغة)
..
إننا نعيش اليوم الثقافة الشعرية السائدة التي تعاني من مشكلات بنائية في اللغةالمتهالكة ألفاظاً وتراكيب وصياغة وأساليب وتخلو من جماليات الصورة الشعرية, , إنهالتكرار والتقليد عداشعراء يعدون على رؤوس الأصابع.والذي أحب أن أسلط عليه الضوءهنا هو عنصر مهم من العناصر الأساسية التي يتكئ عليها الشاعر في بناءه ويميزه عنغيره من أقرانه الشعراء ألا وهو " الانزياح في اللغة الشعرية " والذي نعتبره انزياحاًيتعلق بالمعنى الأصلي للكلمة من حيث الدلالة المعروفة للجملة والمفردة ، فالألفاظموجودة كمواد أوليةيتداولها الإنسان في أمور حياته المعيشية ،أما اللفظ في المشهدالشعريفيختلف كثيراً من ناحية وضعه في انساق متسقة كمنظومة دلالية تتميزبالاقتصاد والدقة في رسم الصورة المراد إيصالها ,في حقول دلالية جديدة بحيث يحيلنابتحويلاته لهذه الكلمات عن المعنى الأصلي لها إلا معنى يثيرنا ويثرينا,ويحدث ردة فعلمفاجئة وغير متوقعة وهنا تبرز المتعة الحقيقية للمتلقي والقدرة الإبداعية للشاعر . ومنهنا نقولأن الشاعر في النص الشعري " لا يدمر اللغة العادية إلا لكي يعيد بناءها على مستوى أعلى، فعقب فك البنية الذي يقوم به الشكل البلاغي تحدث عملية إعادة بنيةأخرى في نظام جديد (صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، ص 58.‏) ,ومنالأدواتالتي تساعد في إعطاءالتركيب الشعري بعدا جماليا وصدقا حسيا المحسنات المعنويةواللفظية والتقديم والتأخير والتكرار و التنسيق و الحذف والاعتراض فنجد النص يتكئعلى لغة وصورة وإيقاع ومن هذه العناصر يختلف الشعراء في تشظي اللغة ورسمالصورة وإحداث الإيقاع وأن اتفقوا في الأخير يجب الخروج وعدم التوافق في العنصرينالسابقين و التي منهما نحدد طريقة ومنهاج كل شاعر في بنائهللمنجز الشعري فاللغةالشعرية التي يقول فيها كولوريدج " إنها أعظم عنصر في بنائية القصيدة في الآدابجميعها، ففي أرضها تتجلى عبقرية الأداء الشعري . " وذلك لا يتحقق إلا باستغلال اللغة الاستغلال الأمثلوالاستعمال الأكمل لأن اللغةالشعرية تمتاز بالترميز و الإيحاء والإشارة و الاقتصاد وتبتعد عن الوضوح والمباشرةونستشف ذلك من قول أدونيس " فالكلمة في الشعر ليست مجموعة متآلفة منالأصوات تدل اصطلاحا على واقع أو شيء ما , وإنما هي صورة صوتية وحدسية " ونستطيع أن نصل إلى مفهوم الانزياحمن خلالهذه الرؤية " استعمال المبدع اللغة- مفردات ٍوتراكيب وصوراًَ – استعمالا يخرج بها عمّا هو معتاد ومألوف بحيث يحقق المبدعما ينبغي لهُ أن يتصف به من تفرد وإبداع وجذب " عصام قصبجي , أحمد ويس ( وظيفةالانزياح في منظور الدراسات الأسلوبية ) ويقصد به نور الدين السد " انحراف الكلام عننسقه المألوف وهو حدث لغوي يظهر في تشكيل الكلام وصياغته " ومن هنا نتعرفبشكل أقرب على الانزياح، وهو المنهاج الوحيد الذي يجب ان يرتكبه كل شاعر للخروجمن الدائرة المغلقة والنمطية المستهلكة ، ونمر مروراً سريعاً على أنواع الانزياح منكتاب اللغة الشعرية لـلناقد جان كوهنالذي يرى أن " الشعر يتشكل بالانزياح المستمرعن اللغة الشائعة " وينقسم الانزياح لثلاث أقسامالانزياح الإسناديّ , و الانزياح الدّلاليّ , و الانزياح التركيبيّ .
أما القسم الأول الانزياح الإسنادي : الإسناد الاسمي و الإسناد الفعلي
أما القسم الثاني الانزياح الدلالي حيث الإضافة والنعت الذي يرى فيه كوهن أن الدلالة "
مجموع التّاليفاتالمتحققة لكلمة ما " أما القسم الثالثهو الانزياح التركيبيفيندرجتحتهنمط التقديم والتأخير والحذفوالالتفات والتحول الأسلوبي . أما التقديم والتأخيرفقد أفرد له عبد القادر الجرجاني فصلا في مؤلفه " دلائل الإعجاز " حيث يقول في ذلك "ولا تزال ترى شعراَ يروقك مسمعه؛ ويلطف لديك موقعهُ ، ثم تنظر فتجد سبب أن راقكولطف عندك أنّ قدّم فيه شيء وحّول اللفظ من مكان ٍ إلى مكان " أما الحذفكما عبرعنه الجرجاني بقوله : " فإنك ترى به ترك الذكر ، أفصح من الذكر ، والصمت عن الإفادة ،أزيد للإفادة ، وتجدك أنطق ما تكون إذ لم تنطق ، وأتم ما تكون بينا ً إذا لم تبين " ،أماالالتفات : كما وضحه ابن المعتز في كتابه البديع هو " انصراف المتكلم عن المخاطبة إلىالإخبار وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك " وهذا يحدث في تحويل صيغةالخطاب في المشهد الشعري من الغائب إلى المخاطب أو المتكلم ومن المخاطب إلىالمتكلم أو الغائب ، ومن المتكلم إلى الغائب أو المخاطب .أما التحول الأسلوبي يهدفإلى إحداث تأثير فني في ذهن المتلقي عند استقباله للنص والانغماس فيهحيث يتحولمن الإنشاء إلى الخبر ثم يعود من جديد للإنشاء أو يتحول من القصيدة العمودية للتفعيلةأو العكس . ومن هنا نتوصل إلى ما يسمى " بانحراف لغة الشعر " وهو النظام الذي نفرق بها عن نظام اللغة العادي المألوف أو الدارج على الألسنة والمتعارف عليه فيالإيضاح والإفصاح عن احتياجات الحياة المعيشيةاليومية وهذا هو الذي يقع به كثيرٌ منشعرائنا اليوم من نصوص تكاد تندرج عمى نسميه " سواليف " ،وبالرغم من هذا فأنهيجب التحذير من عدم المبالغة في إحداث الانحراف الشعري لإنتاج الدلالات ,مما يسقطهفي وحل الغموض , ونرجع في ذلك إلى رأيرجاء عيد في كتابه البحث الأسلوبيحيث يقول : " إذ ليس كل ما يدخل في باب الانزياح عن القواعد محققا قيمة فنية ، فاللغةفي أصولها ومكونتها الأساسية تمثل المستند الذي يتكئ عليه المبدع أو الناطق بتلكاللغة ، فإذا ما انحرف عن أصولها لابد أن يحسب حسابه لكي لا ينقض ذلك الأساس " .
عن :جريدة شمس "شطحات فهد عافت 13/5/1428ه
يتبع









سقط القناع عن القناع سقط القناع
لا إخوة لك يا أخي لا أصدقاء
يا صديقي لا قلاع.............رحمك الله يا محمود
ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
آخر مواضيعي

0 أيها النجار ... سارع إلى شحد منشارك.... هنا/فقط/
0 ما أبدع خلق الله
0 الافتخار... فيه.. وفيه
0 وأخير ... عدت بلا استئذان ... لنرفه عن انفسنا بعد عام كؤود
0 ضيف بدون استئذان ما العمل
0 شكر وتنويه
0 حيوانات في القناة الخامسة والخمسين
0 احذروا هذه الترقية
0 " غير أجي وكون رئيس؟؟؟؟؟؟؟؟؟"
0 دواوين شعرية لطلبة الأدب


أبو فراس
:: دفاتري فعال ::

الصورة الرمزية أبو فراس

تاريخ التسجيل: 5 - 2 - 2008
المشاركات: 689

أبو فراس غير متواجد حالياً

نشاط [ أبو فراس ]
معدل تقييم المستوى: 268
افتراضي
قديم 08-12-2008, 14:34 المشاركة 2   

الانزياح باختصار هو خرق نظام النحو ونظام الدلالة لخلق لغة شعرية ..
فخرق نظام النحو مثلاً : تقديم ما حقه التأخير والعكس .. وحذف ما حقه الذكر والعكس .. مثل قوله تعالى (وجعلوا لله شركاء الجنَّ وخلقهم ...) والنظام النحوي يحتفظ بالرتب فيكون معنى الآية : وجعلوا لله الجن شركاء .. وتقديم (شركاء) أعطى فائدة وخصوصية لن تتأتى بتأخيرها .. فالمولى سبحانه يستنكر الشرك برمته .. نفهم ذلك من (وجعلوا لله شركاء) وجاءت (الجن) لتوضيح ما كان أمر شرك أولئك القوم .. ولو ظلت الرتب المحفوظة كما هي لما أدت هذا الغرض .. فمثلاا : وجعلوا لله الجن شركاء .. يفيدنا بأن الله جل جلاله يستنكر على هؤلاء القوم اتخاذهم الجن شركاء وهذا لا يعني بالضرورة أنه يستنكر الشرك بغير الجن .. ومن ثم جاء التقديم لبيان الغرض وهو استنكار الشرك برمته . وبسبب هذا الخرق النحوي كان وجود خلق لغة (شعرية) إن جاز التعبير في النص القرآني .. أو نسميها هنا لغة بيانية راقية بسبب الانزياح .. (ومن أحسن من الله قيلا) .

وأما الانزياح الدلالي فهو إعطاء اللفظ دلالة مجازية كإضافة ما ليس له إليه .. مثل : يد القدر ؛ فاليد تتعلق بكائن حي كالإنسان وإضافتها إلى القدر أعطت معنى مجازيا يتمثل في خلع صفات الحياة على الأشياء والظواهر من حولنا .. وهذا يجعلنا نشعر بأن الكون الذي يسبح بحمد الله مأنوس وصديق ودود وأننا إن سبحنا الله نمشي معه دون تصادم ..
ويدخل في باب الانزياح الدلالي كل أنواع التشبيه والمجاز ..
وقد يشترك الانزياحان معاً (النحوي والدلالي) في جملة واحدة .. كقوله تعالى (واشتعل الرأس شيباً) فتقديم (الرأس) أعطى فائدة الشمول وكأن الشيب شمل كل جوانب رأسه .. وهذه الفائدة لن تتأتى لو ظلت الجملة على أصلها : واشتعل شيب الرأس .. وأما الخرق الدلالي هنا فيتمثل في إضافة الاشتعال إلى ما ليس له فالاشتعال يكون للنار .. وهذا الخرق أعطى إيحاء وحركة وصورة فنية ..

سقط القناع عن القناع سقط القناع
لا إخوة لك يا أخي لا أصدقاء
يا صديقي لا قلاع.............رحمك الله يا محمود
ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ

أبو فراس
:: دفاتري فعال ::

الصورة الرمزية أبو فراس

تاريخ التسجيل: 5 - 2 - 2008
المشاركات: 689

أبو فراس غير متواجد حالياً

نشاط [ أبو فراس ]
معدل تقييم المستوى: 268
افتراضي
قديم 08-12-2008, 14:36 المشاركة 3   

الانحراف الدلالي، وبنية النمط الشعوري

علاء الدين رمضان
قَرَّ في النقد الأدبي، منذ أن أبرز الشكليون الروس الفروق الجوهريّة بينلغتي النثر والشعر، أن هذه اللغة الثانية – لغة الشعر - تتشكَّل على السطحالأملس المحايد للغة النثر، وتمارس فوقه تنظيم نسيجها ورسومها وخواصهاالتعبيريّة والتصويريّة المتميزة. ومنذ أن طرح هؤلاء الشكليون مفهومالانتظام بوصفه خصيصة أساسية لِلُغَة الشعر، ثم طوّره "رومان ياكوبسن" مفهوم الأنساق باعتباره؛ أولاً: خصيصة للغة الشعر. وثانياً: الآليّةالرئيسية لخلق ما سماه "ريان موكار وفسكي": التأريض الأمامي Foregrounding، حاولت دراسات متعدّدة اكتناه التجليات المختلفة،المُحتملة، للأنساق. وقد جَسَّد المحدثون هذه المفاهيم والفروق التيتُمَيِّز لغة الشعر بمصطلح الانحراف الذي يعني أن شعريّة اللغة تقتضيخروجها الفاضح على العُرف النثري المعتاد، وكسر قواعد الأداء المألوفةلابتداع وسائلها الخاصة في التعبير عمَّا لا يستطيع النثر تحقيقه من قيمجمالية(1)، فبينما يُقَدِّم النثر (المعنى)، يُقَدِّم الشعر "معنىالمعنى".‏
والانحراف في معناه الواسع، هو كل خروج –غير مُبَرَّر- على أصول قاعديّةمُتَعَارَفٍ عليها، ويمكن حصر الانحرافات الشعريّة بالوقوف على الأشكالالبلاغيّة والأسلوبية التي يطرحها علم النص، والتي تعتمد بالدرجة الأولىعلى حصر الانحرافات الشعرية، وهو يَتِمُّ، أولاً، طبقاً للمستويات الصوتيةوالدلاليّة، ثم يتم طبقاً للوظائف التقابليّة بأنماطها الإسناديةوالتحديديّة والتراكمية، الأمر الذي يسمح مثلاً بالتمييز بين عامل إسنادي،وهو الاستعارة، وعامل تحديدي وهو الوصف، وآخر تركيبي وهو عدم الترابط(2).‏
وفكرة الانحراف deflection تعتبر خرقاً منظّماً لشفرة اللغة، يحاول بناءنمط شعوري آخر بنظام جديد، وجملة الأمر أن تجاوز نمطية اللغة أصبح من أهمالمرتكزات الأساسية المحدثة في الخطاب الشعري المعاصر، الذي يتغيَّااستحداث لغة شعرية جديدة تتمرّد على القوالب الجامدة، فالألفاظ هي أوّل مايلقانا في نصوص الشعر، لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أنّ "اللغة إنماتحدّدت ألفاظها بالقياس إلى عالم الأشياء الحسي، أمّا عالم النفس المعنويفلا تزال ألفاظ اللغة قاصرة عن أن تحدّد معانيه، ولا تزال تضرب في تيهٍ منماهيّاته، وهي ماهيّات غير متناهية، وما لا تناهي له لا يدرك إدراكاًدقيقاً بحيث يوضع لفظ محدّد بإزائه"(3) ومن ثمَّ فلا قياس لنسب الانحراففي حقل النفس المعنوي، بل إن اللغة بعدئذ قادرة على استيعاب أقصى درجاتالانحراف مهما كانت، لأن اللغة ليست هي القاهرة عن التعبير عمّا في النفسالمعنوي، وإنما الوعي الاجتماعي والعرف، هذا هو موطن القصور الذي تعالجهاللغة الشعرية التي هي إحساس ووعي مقصود لذاته، إنها تفرض نفسها باعتبارهاأداة فوق الرسالة التي تتضمنها، وأعلى منها، وتعلن عن نفسها بشكل سافر،كما أنها تشدّد بانتظام على صفاتها اللغوية، ومن ثَمّ فلا تصبح الألفاظمجرّد وسائل لنقل الأفكار، بل أشياء مطلوبة لذواتها، وكيانات مادّيةمستقلة بنفسها، وعلى هذا تتحول الكلمات من دوال إلى مدلولات(4).‏

يقول الشاعر محمد فوزي العِنْتيل (1924-1981م):‏
أطيفك هذا الذي يرتمي على وحدتي‏
كنخلات قريتنا الوادعة‏
تُغطي الحقول بأحلامها في ليالي القمرْ‏
وتحتضن الطيرَ حين يَمُرُّ‏
بِجِيدٍ تَهَدّل منه الثمر!(5)‏
فالألفاظ هنا لا تؤدّي معاني لغويّة واضحة أو غامضة فحسب. بل هي تؤدي كذلكمعاني بيانية؛ فنحن ههنا –إذن- لسنا إزاء ألفاظ دقيقة، لها دلالات دقيقة،وإنما نحن إزاء رموز قاصرة يستعينون على قصورها بالخيال والموسيقا؛ ولكنقصورها لا يغادرها مغادرة تامة، بل تظلّ تسبح في ضبابٍ قليلٍ أو كثير،وهذا ما يجعلها واسعة الدلالة، حتى الألفاظ الحِسِّية، مثل (الجيد/ الثمر... الخ) تحسّ فيها اتساعاً شديداً وخروجاً عن مألوف الاستخداماللغوي، فلا يَتَهَدَّل من جيد الحبيبةِ إلاّ ثدياها، كما يَتَهدَّل من "جيد" النخلة "البلح /الثمر"... فالشاعر هنا يحاول نقل أحاسيسه ومشاعرهالتي لا تستطيع ألفاظ اللغة القاصرة أداءها، ومثال آخر من مرحلة أقرب،يقول الشاعر(6):‏
ما الذي يَتبَقى للجريحِ.....‏
سوى طعنةٍ....‏
يدخلها غاضِباً...،‏
يُبَعْثِرُ فيها أغانيه...‏
في هذه البِنْيَة الاستفهامية، التي تتضمَّن في تضاعيفها إجابةً غيرقاطعة، إجابة استفهامية، والانحراف أو الانزياح، تكمن قيمته، هنا، وقمّةعمله في لفظة "يدخلها" بإسناد فعل الدخول إلى الجريح، لا إلى نصل الخنجرمثلاً، فهذا المقطع وسابقه يفسحان المجال لوفرة من الاحتمالات، وفرق تفوقما لنا أن نعرفه وندركه، ومرجع ذلك إلى أنّ حركات النفس الباطنة ومشاعرهاوظلالها لا حصر لها.‏
والانحراف الدلالي في النص السابق يتجلى للمتلقين بفضل علامات البِنْيةالتي تتضَمَّنه والسياق القائم فيه، ومن هنا فإنّ الانحراف مهما بلغتدرجته فإنه قابل للتحديد، فدرجة الانحراف هي التي تحدّد مستوى التشكيلالفني ذاته داخل النص، وتنوعه، إذ هي دائماً قابلة للتحديد، وفكرة "القاعدة اللغوية" هي التي يمكنها طرح تصوّر مناسب لحدود الانحراف، لم تعدهذه- تعتمد على الاستعمال بتنوعه الشديد، وإنما أخذت ترتكز على مجموعة منالقواعد الإجرائية المحدّدة الثابتة/ ومن هنا فإن الانحراف -باعتبارهعدواناً منظّماً على القاعدة –وما اقترح من اعتباره الخاصيّة المميزةللشعرية البلاغية، وقد اكتسب بالتالي دلالة منطقيّة، فالانحراف اللغويوالانحراف المنطقي –الدلالي- ينحوان هكذا إلى الامتزاج. وانطلاقاً من ذلكأصبح من الممكن بناء نظريّة نموذج منطقي لأشكال اللغة الشعريّة(7).‏
ومن نماذج الانحراف الدلالي قول الشاعر عبد الكريم الناعم :‏
وأمي عتيقة الهموم تشتري براءتي بالعُمر، تَنْتَحِبْ.‏
تبكي عليَّ، فابنها جنازة تَفِرُّ من أحداثها،‏
نَعْش على أكتاف وَهْمِهِ يُسَاقْ.‏
وقِصَّة عتيقة ميناؤها الرياح...(8).‏
ولنبدأ بِحَلّ شفرة هذا المقطع بتحويله إلى نثر،أي محاولة تقديم مقاربة دلالية له :‏
*"
أُمُّهُ عتيقة الهموم تشتري براءته بالعُمُر(؟). تَنْتَحِبْ... تَبْكي عَلَيْه.‏
فابنها 0[التِفَات]- جنازة تَفِرّ من أحداقها (؟).‏
- [
وابنها]- نَعْشٌ على أكْتافِ وَهْمِهِ (؟).‏
- [
وهم النعش]- يُسَاقْ".‏
إلى هنا ينتهي حقل التشكيل الإزاحي عند الشاعر، في هذا المقطع، ومن نثره نوجز ثلاث مناطق للانحراف:‏
(1)
العمر –بلا تحديد.‏
(2)
الجنازة التي تَفِر من أحداق أمِّهِ.‏
(3)
نعش على أكتاف وهمه –وهم النعش- يُسَاق.‏
في المنطقة الأولى تستبدل براءته بِعُمْر لم تُحَدِّد مدلوله، وهو في نفسالوقت ليس عمرها؛ لأنها بعد تلك العملية تقوم بفعل؛ وتُقارب، بالمنطقةالثانية، مفتاحاً للأولى، حيث إنّ الثانية فِعل تقوم به أمّه. أمّاالمنطقة الثالثة فهي ذروة الفعل الفنّي، وإن ماسَّتْ منطقة الغموض، فالنعشعلى أكتاف وهمه يُسَاق. فما هو وَهْمُ النعش؟ وماهي أكتاف هذا الوهم؟ معالأخذ في الاعتبار "أنّ يُسَاق" فعل مبني للمجهول، أي تكريس المفعوليّة فيمقابل تغيب الفاعل تماماً؛ ونخلص من ذلك إلى سؤال ثالث؛ من الذي يسوقالنعش؟.‏
الشاعر هنا يسلك مسلكاً أسلوبياً معروفاً؛ إذ يُقدّم اعتقاداً ثميَسْتَدِلُّ لصواب هذا الاعتقاد(9). فأمّه اشترت براءته /(قيمة الجوهر)،بعمره /(الهيكل العرضي)؛ بعد أن ذاب في الكأس عمرُه... لقد اتجهت الأم فيالجوهر مدفوعة من نداء الغريزة التي تطمح إلى الكشف،... إلى المخبوء،والنفوس المثاليّة تتطلّع للسمو والتنزّه عن قصور البشريّين، وقد استعملالشاعر الجَمَاد هنا. النعش –ليتداخل معه في حالات شعوريّة متساوقة بينهمابفرض تكافُئِهِمَا، وهو نوع مُتَقَدِمٌ من الإزاحة باعتبار الانزياح آليةلتقويض البناء التَعَقّلي بالإغراق فيه، في محاولة للوصول إلى الاتجاهالغريزي الذي ينزع نحو التسامي؛ فجمال الشعر وقيمته يكمنان في كونه منطقةوسطى بين العقل والغريزة، فلا هو معرفة نجرّدة، ولا هو اتجاه غريزي بَحْت. والنمط نفسه يتكرَّر في قصيدته "آتيك عَالماً فأَوْرِقي"، إذ يقول عبدالكريم الناعم:‏
وحينما لم تبق في الشفاه أغنية‏
مَدَدّتُ مقلتي‏
عبرت فوقها،‏
وصرت قُبّة في عالم بلا فلك‏
لقد احتفظت لغة الشعر –على مَرّ العصور- بمقوّمات فَنّية مازالت تنمو بفضلعباقرة الشعراء والنقاد في مختلف الآداب، وانتهت إلى العصر الحديث فأثّرتفي أدبه من حيث صياغته ومعانيه. ولا ينال هذا التأثّر –في شيء- من اللغةألفاظها وقواعدها؛ فهذا ما لم يَقُلْ به أَحَدٌ من المجدّدين الذينيُعْتَدّ بهم، في أدبنا العربي أو في الآداب العالميّة الأخرى، ولم يدر فيخلد هؤلاء المجدّدين أن ينالوا من اللغة أو يُهَوِّنوا من شأنها أو من شأنالمعرفة الدقيقة لأساليبها ومعانيها(10).‏
ومحصّلة الأمر أن هذه الظاهرة تتشعب إلى نوعين:‏
1 -
مُرُود قاعدي ruletic deviation.
2 -
انحراف مضموني، انزياح displacement.
أولهما مرذول لأنه يُعتبر من أوجه القصور التي تصيب أدوات الشاعر. أماالثاني يُعَدّ بُعْداً جمالياً إذا لم يحاول الشاعر الإغراق فيه والالتزامبمدلول شعري قادر على تفجير الطاقة التواصلية للغة بين الشاعر والمتلقين.‏
***
إحالات :‏
(1)
انظر؛ د. صلاح فضل: إنتاج الدلالية الأدبية، هيئة قصور الثقافة المصرية (ص: 240).‏
(2)
د.صلاح فضل: بلاغة الخطاب وعلم النص، المجلس الوطني للثقافة، عالمالمعرفة –الكويت (ص: 58) ؛ وانظر؛ مناقشة رولان بارت لهذا المصطلح في:‏
-Roland Barthes, "Style and its Image" in; "The Literary Style; Asymposium" ed. Schaman Oxford univ. press, 1961 (p7). Tzvetan Tod- orov, The place of stylen in the structure of the text. In; The Literary style, Ibid (p. 77-88).


(3)
شوقي ضيف: في النقد الأدبي، دار المعارف، (ص: 129).‏
(4)- -Trence Hawkes; structuralism and semiotics, (p. 63) univ. of California press 1977.

(5)
فوزي العنتيل: رحلة في أعماق الكلمات، دار المعارف (ص 54 ).
(6)
علاء الدين رمضان، المتواليات. الهيئة المصرية العامة للكتاب (ص: 63).‏
(7)
فضل؛ بلاغة الخطاب (ص: 200).
(8)
عبد الكريم الناعم: الرحيل والصوت البدوي، مؤسسات ابن عبد الله بتونس (ص: 15). ‏
(9)
راجع: تلخيص كتاب الشعر، مؤلفات ابن رشد، هيئة الكتاب، (ص: 69-70).‏
(10)
د.محمد غنيمي هلال: النقد الأدبي الحديث، ط دار نهضة مصر، (ص: 386).‏


سقط القناع عن القناع سقط القناع
لا إخوة لك يا أخي لا أصدقاء
يا صديقي لا قلاع.............رحمك الله يا محمود
ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أدبية, مفاهيم, الأول, الانزياح, الومضوع

« من أنا!؟ كم أنا!؟ | لغتي »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف تكتب قصة أدبية صخرة سيزيف دفاتر الإبداعات الأدبية 4 29-03-2009 03:24
مفاهيم أدبية ونقدية أبو فراس دفاتر المواضيع العامة والشاملة 4 27-01-2009 09:18
طرائف أدبية nourhane النكــت والطرائف 5 20-01-2009 10:09
مفاهيم أدبية ونقدية.... نظرية التلقي في الأدب أبو فراس الأرشيف 2 26-12-2008 19:03


الساعة الآن 15:36


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة