أخبارنا المغربية : احمد اضصالح
يوم كنت تلميذا بمدرسة ابتدائية عمومية جنوب المغرب وأبناء هذا البلد نئن تحت وطأة قلة الزاد وقصر ذات اليد.. هنالك حيث الغبار يعلو ليصنع شهامة الرجال ويخرج للوطن جنودا مجندين لخدمته في السراء والضراء. كان كره المدرسة باد للعيان، حتى صرنا نعتبر اليوم الذي يغيب فيه الأستاذ عيدا يستحق الفرح والسرور، ويوم العطلة فرصة الدعة والاستجمام وإطلاق العنان للإبداع في أسمى تجلياته.
اليوم، نفس الأسطوانة تتكرر مع تلامذتنا الأعزاء صباح مساء، لكن بحدة أكبر وبوعي "فايسبوكي" وفر غطاء حرية الإبداع في كره المدرسة العمومية.
قد يكون الجميع متفقا على أن مدارسنا لم تكن يوما سجنا يئن في زنازينه التلاميذ، ولم تكن يوما معتقلات سرية يجبر الداخل إليها على فقد حريته وكرامته. لكن، لم كل هذا الكره؟.
السيد وزير التربية الوطنية نفسه لا يعرف لماذا؟ !، هذا ما صرح به –حسب بعض التقارير الإخبارية- أمام (التلاميذ البرلمانيين) قائلا:" إذا كانت نسبة 32% من المنقطعين عن الدراسة لا يحبّون المدرسة، فإنّ السؤال الذي يجب طرحه هو: لماذا؟ وأنتم من يملك الجواب".
طبعا، تلامذتنا يملكون الجواب، لكنه جواب ناقص بالنظر إلى الأهلية المحددة في المادة التاسعة عشرة من مدونة الأسرة المغربية. ولهذا فإن الجواب المكتمل سيتوفر لدى التلاميذ القدامى الذين بلغوا سن الرشد حاليا، وعايشوا المدرسة المغربية قبل عشر سنوات مضت وهي في أنفاسها الأخيرة تشكو وقع ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة من الحسام المهند.
كان التلاميذ وقتئذ يسيرون بخطى متثاقلة نحو بناية يصطلح عليها "المدرسة" تبعد عن مقر سكناهم، على ظهورهم كيلوغرامات لا بأس بها من الورق والعتاد الغذائي المكون من خبز جاف وبعض حبات التمر إن وجدت، همهم إرضاء الآباء أولا في الالتحاق بالمدرسة، ثم تلبية رغبات المدرسة ثانيا من حيث الواجبات وتجنب الغياب غير المبرر وغضبة الأستاذ التي عادة ما تنم عن الرغبة في العمل لأجل تلاميذ المغرب العميق.
كما أن التعليم الطبقي –حسب عابد الجابري- الكائن لا محالة جعل التلاميذ يدركون بعقلهم الباطني البريء معنى أن تصير خريجا في إحدى مدارسنا تطرق الأبواب، أو ترفع الصوت بالشعارات اعتمادا على حنجرة جافة أمام قبة البرلمان، وبين الفينة والأخرى تتلقى الإهانات المادية والمعنوية الواحدة تلو الأخرى هنا وهنالك.
كل هذه الأمور أدركها التلاميذ يوم لا "فايسبوك" ولا "يوتوب" ولا تقنية ال"آ ش دي" طغت على مجريات الإحداث كما هو الحال اليوم. أما وقد تطورت وسائل الإعلام والاتصال وصار لها حظ في توجيه العقول الصغيرة فإن كره المدرسة والتمرد على الوضع يتم البوح به علانية عبر الوسائل المتوفرة. حتى صار المتعلمون يناقشون الكبار في وضعية المنظومة التربوية على شكل ورشات كتب لها أن تكون كذلك.
ومع التأثير البليغ الذي أحدثته وسائل الإعلام في نفوس النشء، تجد المتعلم يتألم بشكل بليغ لإهانة أستاذه أمام البرلمان متى طالب بحقه فيزداد كرها لمدرسته، كما تجده في بعض الأحيان يتمرد بأي شكل من الأشكال ويستسلم لضغط الشارع استنادا لبرامج تلفزيونية مؤثرة تصور المدرسة جحيما لا يطاق والأستاذ جلادا بلا أدنى شفقة..
هذه وغيرها أسباب جعلت تلامذتنا يكرهون المدرسة ويشهرون الورقة الحمراء في وجه القائمين على منظومتنا التربوية. فهل سنستدرك الأمر فيما يقرب من الزمان، أم إن الوضع سيترك كالعادة ليتفاقم حتى إشعار آخر؟ !