تعيش العديد من المؤسسات التعليمية المغربية عبر ربوع وطننا الحبيب ما يشبه حالة طوارئ بسبب الإمتحانات المهنية التي دفعت بالعديد من رجال التعليم المقبلين على اجتيازها إلى أن "يضربوا عن العمل" رغم حضورهم جسديا داخل فصولهم الدراسية ، إد أهملوا الواجب تجاه متعلميهم، و أصبح هاجسهم الأوحد هو الإستعداد للإمتحانات المهنية و لو على حساب المتعلمين..وضعوا المقرر الدراسي جانبا و انشغلوا بالمقابل بالكتب التربوية و علم النفس...مما جعل العديد من المؤسسات التعليمية تعيش حالة من الفوضى العارمة
بحكم طبيعة عملي، زرت العديد من هذه المؤسسات في الأيام الماضية ووقفت على الكثير من الخروقات و الظواهر الخطيرة و التي هي في نظري كافية بأن تضع ومن جديد الإمتحانات المهنية (في صيغتها الحالية)في قفص الإتهام.فبدل أن يعمد القيمون على الشأن التعليمي ببلادنا بمكافئة وترقية رجال و نساء التعليم انطلاقا من المجهودات التي يبدلونها داخل فصولهم الدراسية، يعمدون في المقابل على تشجيعهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على التخلي عن واجبهم تجاه متعلميهم و الجري وراء حفنة من الدراهم هي كل ما سينظاف إلى رصيدهم البنكي في أخر الشهر!!!
و الله إخواني و أخواتي المدرسين و المدرسات غريب أمر هذه الإمتحانات المهنية:فالذين استفادوا من الترقية خاصة إلى السلم 11 -وهم كثيرون-اعتبروا هذه الترقية نهاية لكل ما يربطهم بالتحصيل و طلب العلم، فقد وصلوا كما يتوهمون إلى القمة و لم يعد الأمر بالنسبة إليهم يستدعي "تهراس الراس"بالكفايات و المجزوءات و الهدر و بياجي و توماس...تخلصوا من المراجع و الكتب التربوية بأن فوتوها"لمول الزريعة" الموجودة في رأس الدرب...و المقبلين على اجتياز هذه الإمتحانات تخلوا عن تلامذتهم و لم تعد تلوح لهم في الأفق إلا الأوراق النقدية التي سيحصلون عليها بعد نجاحهم.
رحم الله زمانا كان فيه التعليم ببلادنا يعد بمثابة القاطرة التي تجر باقي القطاعات الإنتاجية الأخرى فأصبح اليوم رمزا للرداءة و تناسل العديد من الظواهر التي تشد المجتمع إلى الوراء حتى بات يرتب -عالميا-في أسفل القائمة
ملحوظة لها علاقة بما سبق:
أليس عارا أن يتسلم رجال التعليم المقبلين على اجتياز الإمتحانات المهنية و من بينهم عدد لا بأس به من الذين سيحالون على التقاعد قريبا ورقة استدعاء الإمتحان و قد ذيلت "بالتهديد" عفوا بالملاحظتين التاليتين:
كل غش أو محاولة غش يعرض صاحبه إلى عقوبات جزرية و إدارية كالإقصاء الفوري من الإمتحان.
-لايسمح بتبادل الحديث فيما بين الممتحنين خلال إجراء الإمتحان.
وجدت نفسي في موقف حرج و قد تسلمت بدوري هذه الورقة عندما توجه إلى ابني الذي يبلغ من العمر 15 سنة بالسؤال التالي و هو يقرأ مضمون هذا الإستدعاء "واش حتا نتموا أبا كتنقلو فالإمتحان؟!!" كدت أمزق تلك الورقة المشؤومة و أنا أسحبها بلطف من بين يديه لو لا أنني تدكرت ما تلح عليه العديد من النظريات التربوية الحديثة بأن التربية يجب أن تنطلق من البيت أما المدرسة فالله و حده هو الذي يعلم كيف يمكن لمدرسين يلجؤون للغش و الخداع و هم يجلسون على طاولات الإمتحانات أن يربوا أولاد الناس...