( القيامة قادمة ...يا معشر الناس القيامة قادمة ...استعدوا يا ابناء القبيلة ...القيامة قادمة ... ), بهذه العبارات المصحوبة بآهات متقطعة بدا قدور المكاوي يومه ما قبل الاخير حسب عده , كان همه هذا الصباح ان ينطق , فعلى عاتقه كما يتصور تقع مسؤولية انقاذ القبيلة / الوطن ,رغم ما في النطق من غصة تدمر كيانه _وهو المشهور في القبيلة بالصمت المطلق _فانه يستشعر الزمن يزاحمه, فبينه وبين القيامة زمن يسير طاف الدوار جيئة و ذهابا ,يتراءى للناظر في جلبابه الناصع البياض فارسا ممتطيا صهوة النطق , كثيرون صادفهم في طوافه المقدس كما يحس في داخله , وقد اجمعت تعليقاتهم و قسمات وجوههم على معنى واحد ,الاستغراب, استغراب من كلامه وهو الابكم في تاريخ القبيلة ,و استغراب من لباسه الابيض الانيق وهو المعهود بينهم في جلباب رث و مرتق ورثه عن ابيه منذ زمن الاستعمار. كانت لدهشة القبيلة وقعا سيئا على الرسالة التي يبشر بها فانشغلوا عن مضمونها وانساقوا وراء قشور النطق و الجلباب . في طوافه السابع و الاخير , قصد المسجد ودون ان يستاذن وجد نفسه وجها لوجه امام الفقيه وقال له (القيامة قادمة... قم و اغتسل فلن تغسل احدا بعد اليوم وغدا تعلق على صدرك لافتة بلا عمل ),ثم ادبر تاركا الفقيه فاغر الفيه من هول ما سمع وما راى , وفي الطريق وهو عائد كانت نظرات النساء من فوق السطوح تتابعه مرفوقة بضحكات و همهمات ساخرة , صاحت واحدة (جات عليك جلابة اقدور الزين ), وتابع مسيره دون ان يلتفت , وعند اجتيازعتبة منزله المهجور كان خبره قد شاع في القبيلة , بل وتخطاه . المشهد الثاني ... ( تكلمت ) فيه صفعة يد عسكري غليظ شديد فرسمت على خده خريطة الالم تمتد من البحر الى المحيط , وادرك انه في ضيافة اصحاب القلوب الرحيمة , كان يود ان يسال العسكري عن المقدم الخارج لتوه من الغرفة المظلمة الا من مصباح يعلو راسه لكن النطق خانه. بادره العسكري قائلا ..(شوف اقدور ل نطولوه نقصروه ,لقد اعفانا المقدم من زغاريد الاستنطاق _سميت موك , سميت باك ..._فدعنا نتقاسم ليلة الدخلة في هدوء و متعة ). قدور في هذه اللحظة الحرجة من حياته يستمع ,حاول ان يقول شيئا لكنه لم يتوفق , وفي غمرة وجومه عاودته اليد الغليظة بصفعة اخرى اشد من الاولى . _يا ابن العاهرة , انت متهم بافتضاض بكارة صمت القبيلة . _ومتهم بانتحال صفة وزير الاوقاف و الشؤون الاسلامية . _ومتهم كذلك بالكذب على يوم القيامة . فماذا تقول يا ابن الزانية في هذه التهم الخطيرة , سكت قدور المكاوي ولسانه شل لا يدري او بالاحرى لا يقدر على الكلام . (كنت قد ناشدت قدور ان يطول مكوثه عند اصحاب الحال , خصوصا وان الحراسة النظرية تسبح في المطلق , و القضاء بلا عيون , لكنه استحلفني بيوم القيامة التي لا تفصله عنها سوى ساعات معدودات ان ينتقل الى المشهد الاخر لضيق الزمن ). المشهد الثالث... غصت قاعة المحكمة بابناء قبيلة قدور المكاوي عن آخرها ,في الصف الامامي جلس مقدم الدوار الى جانب الفقيه ومقدم المسجد , و الى يمينهم اصطف مجموعة من الاعيان , بينما الصف الثاني كان ممتلئا باصحاب البزات المدنية و العسكرية , اما الصفوف الاخيرة فقد عجت بمنبوذي و معطلي الدوار فحتى حمدون احمق القبيلة قرر ان يحضر هذا العرس. دخل القاضي مرفوقا بطقوسه , و نادى بدخول الجاني قدور المكاوي , وما هي الا هنيهة حتى اطل منهكا يقوده حارسان , فصاح من اقصى القاعة حمدون ( افين الجلابة اقدور ؟ ها ها ها ), و علت اصوات اخرى بالضجيج , في منصة الاتهام وقف قدور يستمع صك اتهامه في شبه انتشاء بدنو ساعة الحسم ,كانت التهم التي ووجه بها ثقيلة و اثقل منها ما لاقاه امس من تعذيب لم تسلم منه جلابته التي تمنى ان يعبر بها الصراط المستقيم لكنها تلطخت بالدماء فانزعوها عنه عنوة . اذن له القاضي بالكلام فنطق قدور لثاني مرة في حياته وقال.. ( سيدي القاضي قبل ان ابدا مداخلتي اطالب بالواقفين ورائك بالجلوس او الانسحاب احتراما لعدالة المحكمة ) , دار القاضي وراءه منزعجا كانه واثق من وجود اشخاص ورائه لكنه لم ير سوى ميزانه المعلق و المائل , بينما انطلقت ضحكات هنا و هناك , وتعالت تصفيقات اخرى تحية لقدور المكاوي , فقاطع القاضي الضجيج بقوله .. (بدات تهذي ايها الجاني الخطير , لديك دقيقتين توضح فيهما موقفك من قيامتك القادمة و بعدها ياتيك الخبر ! ) , تابع قدور كلامه بنشوة و بصوت ملائكي كانه يخطب يوم الجمعة قائلا.. (سيدي انا لست متنبيا ولا حلاجا ولا صوفيا للقرن الواحد و العشرين , و القيامة القادمة انتم سبب تقريبها باغلاقكم جريدة السماء , وحرمانكم الارض والشجر و الحيوان و الانسان من غيث السماء , فهل فعلتم خيرا حين تركتم شعبا باكمله دون بوصلة السماء , فكيف لا تاتي القيامة بعد حين ب***كم جدران السماء , فاللهم قد بلغت فاشهد ). بهذه الكلمات ختم المكاوي مداخلته , فاهتزت القاعة ضجيجا و هتافا بقيامة قدور , فنطق القاضي بحكم صامت زاده الضجيج صمتا , ثم اختفى قدور المكاوي بعدها . ( كنت ارجو ان يمهلوه لحظة اساله ايان ساعة القيامة , لكنهم خطفوه ولكم اعزائي واسع النظر ).