ذ.مصطفى تاج
لقد حان الوقت لنقف وقفة جماعية... شعبا وحكومة وملكا...وقفة جماعية مع ذواتنا، نتأمل فيها واقعنا ونقيم ماضينا ونستشرف مستقبلنا...لكي نقف على الثغرات التي يجب أن نتجاوزها...وأن أول خطوة يجب أن نخطوها في طريق بناء المغرب الحديث، هي مسألة إصلاح التعليم التي يجب إعادة النظر فيها بشكل يعطي للمدرسة الدور القيادي، الذي يجب عليها القيام به...
إن مسألة إصلاح التعليم تحتاج لزاما إلى جانب البرنامج الشعبي القوي والمتكامل إلى جماعة من المسؤولين في وزارة التربية الوطنية والمجلس الأعلى للتعليم تتوفر فيهم الكفاءة والروح الوطنية والخبرة والإيمان بضرورة الإصلاح والتفاني في البحث عن وسائل إنجاح البرنامج الإصلاحي ( الذي يجب أن يكون بعيدا عن الاستعجال ) وفي التغلب على العراقيل و الصعوبات...و يؤسفنا أن نلاحظ أن المسؤولين في بلادنا، كثيرا ما يتعاملون مع قضيتنا الكبرى بالاستخفاف والاستعجال ويعتمدون على الفنيين الأجانب، الذين لا يمكننا أن نثق بهم، ولا بصلاحية المشاريع التي يقدمونها لنا، والنصائح التي يدلون بها، لحصر التعليم في التنمية الاقتصادية فقط، والقفز عن التنمية الإنسانية والإسلامية والروحية والتقهقر في التعليم إلى غير ذلك.
و الواقع أنه بتعيين أناس على رأس وزارة التربية الوطنية لا علاقة لهم بالتعليم العمومي، ولا بالمدرسة العمومية، والشأن التربوي والتعليمي ليس من تخصصهم ولا يفقهون فيه شيئا، إنما يزيد من سرعة دفع قاطرة التعليم إلى الهاوية...كما أن عدم الإنصات إلى الشارع المغربي بمكوناته الجمعوية والنقابية و السياسية والإعلامية وعدم الاكتراث لصرخاتها ولاقتراحاتها وعدم التحرك إلا بعد إثارة موضوع نظامنا التعليمي في التقارير الدولية، من طرف المنظمات الدولية فيه إجحاف، وعدم تقدير للأطر الوطنية التي لا يصعب عليها تقييم العملية التعليمية واقتراح البدائل الملائمة بكل إخلاص و أمانة...و المهم أنه في مغرب نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة لازال توجيه أبنائنا وتعليمهم وتثقيفهم وتركيب نظامهم وتقويمه بيد الأجانب أو بيد مغاربة بعقلية أجنبية، فسنكون بعيدين كل البعد عن التحرر من الغزو الفكري و الثقافي الأجنبي و سنلبث لا نملك تقرير مصيرنا بأنفسنا في تحديد سياسة تعليمية، تناسب عبقريتنا وحضارتنا الأمازيغية والعربية الضاربة في التاريخ، وتناسب العصر المادي المتوحش الذي نعيش فيه.
إن قضية التربية والتعليم ببلادنا منوطة بباقي القضايا الكبرى للبلاد، ونحن على يقين، بأن الخطط مهما سلمت، والبرامج مهما عظمت، لا يمكن أن تؤتي ثمارها، إلا إذا توفرت إرادة قوية عند أعلى سلطة في البلاد...إن أمرا جوهريا وحاسما كهذا، يتطلب حركة حاسمة لصاحب الجلالة، وحكومة قوية تتمتع بثقة جلالته وثقة الشعب منسجمة في تركيبها لا كهذه التي " يسب " فيها الشعب و " يلعن " صباح مساء...حكومة تتوفر على عناصر خبيرة في ميادينها، ولها إيمان قوي في برنامج شعبي متفق عليه، وعقيدة تابثة ومسؤولة أمام برلمان يمثل الشعب التمثيل الصادق...والتعليم بصفة خاصة رهين المخطط الاقتصادي والاجتماعي الذي تضعه الدولة ويتعاون الجميع على تنفيذه، وبالسياسة العامة التي يسير فيها التوجيه العام للحكومة.
و قد عنونت مقالتي هاته بعبارة " التعليم مسألة حياة أو موت "، و هي عبارة شهيرة لعلال الفاسي؛ الزعيم ومؤسس حزب الاستقلال، الذي يا حسرة يتحمل بعض قياديوه مسؤولية كبرى في ما آلت إليه المدرسة العمومية الآن بسياسة "عزالدين العراقي" الاستقلالي الذي كان وزيرا للتعليم في الثمانينات عندما أشرف على مناظرة إفران التي قضت بتعريب التعليم تعريبا إبتدأ في المدرسة وانتهى في الثانوية دون تعريب التعليم الجامعي، نتج عنه أن الطلبة بدؤوا التناطح مع المواد العلمية المفرنسة... و بسياسة الحكومة الحالية التي يرأسها هذا الحزب والتي يبقى إصلاح النظام التعليمي آخر همومها باعتمادها مبدأ " كم حاجة قضيناها بتركها ".
أستاذ و باحث رئيس المنتدى الوطني للتربية والتكوين
التعليم مسألة حياة أو موت!
المواضيع المتشابهه
