يعتبر أبو عبد الله بن جزي الأندلسي الكاتب الحقيقي لرحلة ابن بطوطة الشهيرة عكس ما يظن أغلب الناس .
فابن جزي هذا هو الذي طبع هذه الرحلة بالطابع الأدبي في كثير من فصولها ، كما ميزها بحسن التعبير و دقة التصوير و أغناها شكلا و مضمونا و أحسن ترصيف معانيها بألفاظ بديعة و جمل رفيعة وبفضله أصبحت هذه الرحلة نموذجا أدبيا خالدا يصور عصرا من عصور الازدهار المغربي في العلم و الأدب.
فالأدباء هم الأقوى على تخليد المشاهد و الصور من غيرهم كما أنهم الأقدر على التعبير عن المعاني بأساليب جذابة تستهوي القراء.
لقد سجلت هذه الرحلة مشاهد مختلفة أرخت لآثار ملوك وعظماء ووصفت مسالك وممالك عديدة وعبرت عن مشاهد من الحياة العامة لكثير من المجتمعات والعوائد ، وبذلك أسند ابو عنان المريني مهمة كتابة هذه الرحلة الى كاتبه أبي عبد الله بن أبي القاسم محمد بن أحمد الكلبي الشهير بابن جزي ولد بغرناطة مقر دولة بني الأحمر النصرية سنة 721ه.
وذلك لسببين الأول سياسي و الثاني أدبي ، لكون ابن بطوطة لم يكن أديبا وانما كان شيخا فقيها وهو بنفسه يعترف بذلك لملك الهند الذي خيره بين الوزارة و الكتابة وبين القضاء والمشيخة فاختار هذه الأخيرة لتضلعه في العلوم الشرعية و الفقه و أصول الدين ، وبساطة أسلوبه الأدبي بل وضعفه - للاشارة فان ذلن ليس تنقيصا من قيمته - يقول :
(أما الوزارة و الكتابة فليست شغلي و اما القضاء و المشيخة فشغلي و شغل آبائي).
ولابأس ان نورد في هذا الصدد مقطوعة شعرية لابن جزي * وهي مقدمة غزلية ضمن قصيدة يمدح فيها أبا عنان المريني * تظهر من خلالها قدراته الادبية وتفننه في نظم الشعر يقول فيها :
ان قلبي لعهدة الصبر ناكث
عن غزال في عقدة السحر نافث
أضرم النار في فؤادي وولى
قائلا لا تخف فاني عابث
و رماني من مقلتيه بسهم
ثم قال اصطبر لثان و ثالث
كم عذول أتى يناظر فيه
كان تعذاله على الحب باعث
و يمين آلياتها بالتسلي
فقضى حسنه بأني حانث
جبر الله صدع قلب عميد
صدعت شمله صروف الحوادث
فهو يهفو الى البروق و يروى
عن نسيم الصبا ضعيف الاحادث
ومن خلال ذلك يظهر أسلوب ابن جزي الادبي الجميل و تظهر بذلك قدراته الخارقة في الكتابة و التصوير
مما طبع هذه الرحلة بطابع الأدب الرفيع بل ساهم في تخليد هذا الكتاب ضمن أشهر الكتب المتخصصة في
أدب الرحلة.
أعدكم بالكتابة في هذا الموضوع الشيق ضمن باب سأسميه باذن الله وقوته **أدب الرحلة**
و السلام أخوكم abderrahman1977