تعيش المدرسة المغربية اليوم مايمكن وصفه "بحالة الاحتضار" لما وصلت إليه من وضعية مزرية تتجلى مظاهرها في تدنِّي مستوى التلميذ و معه مستوى المدرس و الجو المشحون داخل الفضاء التربوي مع ما يُخلِّفه من صراع و عنف متبادل و تنامي الظواهرالغير أخلاقية و المشينة داخل و خارج اسوار المدرسة ،إضافة إلى كثرة التغييرات التي تعرفها المقررات الدِّراسية بشكل يكاد يكون سنوي دون أن يسفر ذلك عن تحسُّن في المردودية .وضعية كهذه خلفت إمتعاضاً و تذمراً كبيرا في صفوف كل شرائح المجتمع بدءً بأولياء التلاميذ الذين تفطَّنواْ إلى التراجع المستمر و المتسارع لمستوى أبنائهم ،مروراً بكل الفاعلين داخل المدرسة الذين يُشار إليهم بأُصبع الإتهام في الإنهيار الذي تعرفه المدرسة و انتهاءً بالمسؤولين عن الحقل التربوي بالمغرب و الذين يحاولون منع هذا التهاوي المستمر من خلال برامج إصلاحية لم تفلح حتى الأن في تحقيق شيء ذي أهمِّية تُذكر.
وحتى نفصِّل أكثرفإن الجميع مسؤول حول ما يقع اليوم للمدرسة العمومية من تدهور.
صحيح أن الأستاذ له يد في كل هذا، بما أنَّه أضحى ينظر إلى مهنته على كونها مصدر رزقٍ و كفى،فكرة كهذه دفعت عدداً غير قليل من الأساتذة إلى تهريب العملية التعليمية من فصول المدارس إلى البيوت و الأَقْبِيَة و المدارس الخصوصية ما دام أن التدريس في البيت أو القَبْو يُدِرُّ على هؤلاء أموالاَ طائلة إستطاع البعض من خلال امتهان ممارسات غير مشروعة كهذه من مراكمة ثروات هائلة على حساب جيوب المواطنين و مستقبل فلذات أكبادنا .وللأسف أن المدرسين الذين يقدِّمون الساعات الإضافية تراهم يُجدُّن في عملهم هذا بينما يتراخون و يتصرَّفون بمنطق اللا مبالات في الفصول و كأن العمل في القسم غير مؤدَّى عنه.
مستوى المدرِّس تهاوى أيضاً خلال السنوات الأخيرة و لهذا التهاوي أسبابٌ كثيرة يبقى أهمها أن بعض العاملين بهذا القطاع باتواْ يُخْلِطون بين حياتهم العملية و الشخصية فأصبحواْ يقضون معظم أوقاتهم في مصارعة مصاعب الحياة اليومية التي لا تنتهي في إهمالٍ تامٍّ لعملهم التربوي وما يتطلَّبٌهُ من تحضيرٍ للدروس و بحث جاد و أنشطة موازية و التي تتطلَْبُ من الأستاذ وقتاً طويلا و قدراً كبيراً من التركيز و الجهد.حال المدرِّس اليوم يساهم أيضاُ في تدنِّي مستواهُ ،فقِصَرُ اليد دفعت بعدد كبيرٍ إلى إدمان المخدِّرات و الخمور حتَى أنَّنا نسمع بين الفينة و الأخرى عن فضائح لبعضهم يكون فضاء القسم مسرحاً لها.مقاهي القمار أيضاَ تجتذب الكثير من المدرسين الرَّاغبين في الإغتناء السريع و أنا شخصيّاً أعرف مقهىً بمدينة أزرو روَّادُهُ أكثرهم من الأساتذة بل إنَّ البعض منهم يُجَالِس تلاميذَ سابقين تعلَّمَواْ على يده أن المَيسِر رجسٌ من عملِ الشَّيْطان.للقيِّمين على شؤون هذه البلاد دورٌ في انحطاط مستوى الأستاذ لأنهم جعلواْ من القطاع التربوي قطاعا مُفلساً و سيِّء الصِّيتِ فأصبح غير قادرٍ على اجتذاب الطَّاقات الواعدة التي بوسعها إعطاء الإضافة و رفع التحدِّي و السَّير بالتربية في هذا البلد إلى بر الأمان،هذه الطَّاقات انصرفت إلى قطاعات أخرى حيث إمكانية الاغتناء كبيرة و فرص تفجير المواهب متاحة، لم يعد يجتذب قطاع التعليم بالمغرب سوى أولائك الباحثين عن راتب مستقر و عطلة مُمتدة غير مستوعبين و لا عابئين بمستقبل الأجيال و المدرسة والوطن، و قد سبق للوزير أحمد خشيشن أن نبَّه إلى هذه النقطة بالذَّات في إحدى تصريحاته بيد أن نفس الوزير كرّس هذه الفكرة من خلال توظيف عدد كبير من المُجازين بطريقة مباشرةٍ في سلك التَّعليم دون اجتيازأي اختبارٍ حقيقي لفرز أولائك الذين يصلحون لمزاولة هذه المهنة من الوافدين رَغبة في ضمان مورد رزق، بل إنهم زُجَّ بهم في الأقسام من دون أنْ يتلقِّي أيّ أحدٍ منهم تكويناً بيداغوجياً للتَّمكُّنِ من أساليب و أدوات الممارسة التربوية داخل الفصل .
ما فعلهُ هذا الوزير- الذي عرفتْ فترة تولِّيه القطاع أحلك أيام المدرسة المغربية- ينطبق عليه قول الشاعر
لا تنهى عن خلق و تأتي بمثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
و يعكسُ مدى العشوائية و التخبُّط اللذين يُتَعامَلُ بهما مع التحدِّيات التي يطرحها قطاع التربية.
أعرف أنَّ ما كتبتهُ اليوم حول مسؤولية المدرس في تدنِّي مردود التعليم في المغرب سيُجابهُ بالاستنكار و الرفض من جانب البعض،لكن أقول أنَّ ما كتبتُ اليوم يبقى جزءً يسيرً جدّاً من العوامل التي تقف خلف تدهور المدرسة و أن الجميع له يد في هذا لذا سأخصص أجزاءً أخرى أكتب فيه عن مسؤولية الوزارة و أولياء التلاميذ و الجمعيات بل و التلميذ الذي يتحمَّل قدراً لا يستهان به من المسؤولية ،و بانتهاء كل هذه الأجزاء سيتَّضحُ أن أزمة التعليم في المغرب بنيوية و مستعصية و حلُّها يتطلَّبُ استنفار الجميع.
موكال عزيز
حول مسؤولية المدرس في تدهور المدرسة العمومية
المواضيع المتشابهه
