بينما كنت أتصفح كتاب الواضح في اللغة العربية للمستوى الرابع ابتدائي لفتت انتباهي قصيدة شعرية جميلة بعنوان لغتي العربية فانتابني شعور ولهف لمعرفة فحواها ،كانت القصيدة رائعة لا من حيث اختيار الكلمات ولا من حيث الأسلوب الذي استعمله الشاعر الذي نجح إلى حد ما في إيصال الرسالة . نعم استطاع الشاعر بقصيدته أن يصل إلى قلب التلميذ وحاول أن يرسخ في ذهنه فكرة اللغة العربية حيث اعتبرها لغة الأجداد يجب علينا أن نفديها بكل ما نملك ،وهذا جميل جدا ،ومن حق الشاعر أن يكتب ما يشاء وحر في أن يرى لغته وهويته كما يشاء ،لكن يمكننا طرح سؤال ربما قد تجاهلناه ماذا عندما نقدم هذه القصيدة وأمثالها التي تعج بها مناهجنا التعليمية لأطفالنا الذين يتحدثون الأمازيغية ؟ جميل جدا أن نفتخر باللغة العربية ،وجميل أيضا أن نعطيها كل ما تستحق من التقدير ،لأنها لغة الوحي ولغة أهل الجنة ونحن بدورنا نقدرها ونكن لها كل الحب ،لكن أن يتم تقديم اللغة العربية على حساب اللغة الأمازيغية ، ومحاولة ترسيخها على أنها اللغة الأم ولغة الأجداد فهذا ما يستدعي منا أن نتوقف ولو للحظات لإعادة النظر فيما تقدمه المناهج الدراسية لأبنائنا والتي لا تضع بعين الاعتبار اختلاف اللغة والهوية ولا تعير اهتماما لما تحاول ترسيخه في ذهن الطفل . ليست هذه هي الحالة الأولى التي يمكن ملاحظتها بل مناهجنا كلها تحتوي على يمكن أن نسميه مواد اقصائية جملة وتفصيلا ،فلا تكاد تجد نصا أو قصيدة تتحدث عن الامازيغية ،ولا عن الهوية الامازيغيىة ،باستثناء الحديث عن العربية وعن بطولات العرب وانجازاتهم التي على ما يبدو لا تنتهي . كلما فكر الامازيغ الدفاع عن لغتهم وهويتهم وإلا واتهموا بالعنصرية والولاء للغرب وأصحاب الفتنة إلى ما هنالك من الألقاب التي تطلق في حقهم ممن يفضلون أن يطلقوا على أنفسهم الوطنيين الذين لهم غيرة على الوطن ،بل حتى كلامنا هناك من سيفسره في غير محله ويطلق العنان لنفسه لتأويله إلى ما يخدم مصالحه . إذا افترضنا أن هؤلاء الامازيغ عنصريون وإقصائيون لمجرد أنهم يدافعون عن لغتهم وهويتهم ، لكن بماذا يمكن لنا أن نسمي هذه المناهج التي تقدم للتلميذ الامازيغي ، أليست هي العنصرية في قمتها،ماذا يعني أن تقدم للتلميذ لغة ليست بلغته وتحاول جاهدا أن تجعله يعتقد أنها لغته الأم وأنها لغة أجداده . للأسف الشديد هذا ما عودتنا عليه منظومتنا التعليمية ،حيث سعت وتسعى إلى طمس اللغة الأمازيغية ،عبر تلقيننا أفكارا كلها من صنع أعداء الاختلاف والذين يريدون للعالم أن يكون نسخة طبق الأصل للغتهم وهويتهم. كل مناهجنا التعليمية بدون استثناء لا تقدم للطفل سوى ما يقتل به ذاته ولا تلقنه سوى ما يمكن ان ينسيه في لغته وهويته تحت ذريعة أن العربية لغة القرآن والدين، وكأن هؤلاء هم وحدهم من لديهم الغيرة على الدين والإسلام والعربية دون غيرهم من الأمازيغ، مع العلم أن هؤلاء هم من فرطوا في الدين وباعوا أوطانهم بأثمان بخسة ليعودوا من جديد ليحاولوا إعطاء دروس في الوطنية والدين . كلما عجز هؤلاء عن إعطاء أجوبة شافية حول إقصاء الأمازيغية ،إلا وحاولوا أن يجدوا ما يبرروا به مخططاتهم ،ولا يجدون سوى اتهام هؤلاء بالعنصرية وأعداء الدين وتجاهل هؤلاء أن الأمازيغ هم من كان لهم الفضل في نشر الإسلام والدعوة ،فلماذا الربط بين الإسلام واللغة إذا كان الله سبحانه وتعالى قد اختار لكل قوم لغته الخاصة . بعد الدستور الجديد الذي ينص على أن الامازيغية لغة رسمية والذي كنا نعتقد انه سيأتي ليزيل كل أشكال الإقصاء والتهميش وفرض الرأي الواحد ،خاصة عندما يتعلق الأمر بالمناهج الدراسية التي تحتاج كلها إلى تغيير ،لكن للأسف الشديد بالرغم من أن الدستور قد أعطى اهتماما للامازيغية إلا أن ما نراه في الواقع ،يثبت العكس فالمناهج الدراسية التي كنا نعتقد أنها سيتم تغييرها بعد الدستور الجديد ،والتي أكل الدهر وشرب عليها ولم تعد صالحة لمغرب يطمح إلى تحقيق العدالة والمساواة والرقي لازالت نفسها لم يطلها التغيير بعد. ولكي لا يفهم كلامنا في غير محله يمكن القول أن صراع الأمازيع ليس صراعا عرقيا كما يحاول البعض تصويره ،ولا عدائيا ضد اللغة العربية ولا إقصائيا لطرف دون الآخر ،وإنما الصراع هو صراع ضد أشكال التمييز والإقصاء التي عانى منها الأمازيغي طفلا ثم شابا ثم رجلا ثم كهلا . إذن الصورة واضحة لا تحتاج إلى مزيد من الجهد ،فهؤلاء يتمنون بشغف لو أصبح كل الأمازيغ عربا إفتراضيين ،وهذا التفكير أعتقد أنه متجاوز ولم يعد يجدي في شيء ومحكوم عليه بالفشل ما دام أن هناك لغة وثقافة وتاريخ يستطيع من خلاله هؤلاء إثبات ذوتهم داخل وطنهم المغرب . المصدر موقع أمان بريس
الأمازيغ و لغتهم الأم العربية
المواضيع المتشابهه
