مأساة التلاميذ والطلبة المغاربة في المؤسسات التعليمية
بقلم: نوال الغيداني||
- هل فعلا أنهم يكرهون الدراسة؟ أهم فعلا يمقتون المعرفة؟ هل أصبحوا منحرفين عبثيين كما يعتقد معظم الناس؟؟ هذه بضع أسئلة أجوبتها جاهزة عند أغلب المواطنين، فحواها أن التلاميذ والطلبة المغاربة فاشلين، وهي أحكام قاسية تحاول جل الأسر تلطيفها برمي الجزء الأكبر من عدم اهتمام المتعلمين بالدراسة إلى هيئة التدريس مدرسين وإداريين، مع اتهام الفضائيات وعالم الأنترنيت.
غير أن الإشكالية أكبر ومفارقاتها أخطر، فنظامنا التعليمي ضحية عقود من الإيديولوجيا المقتسمة بين الدولة والسياسيين، مما جعله فاقدا للوجهة متردد الخطوات، ليجد نفسه في القرن 21 مصابا بأمراض الشيخوخة وهو في بداية فتوته، بعدما حطم عالم التكنولوجيا الرقمية نظريات التعلم القديمة/الحديثة، حيث النظريات البيداغوجية تولد وتشيخ بسرعة مكوكية، في الوقت الذي يسير تعليمنا بخطوات سلحفاتية تجعله فاقدا للجاذبية غير ذي نفع.
المتعلمون المغاربة يلجون عالم "النيت" ويقارنون النظم التعليمية المتقدمة مع نظام التعليم الذي يتلقونه، فيزدادون إحباطا، تجاه عمليات تعليمية مقرفة تغيب فيها المقاربة التفاعلية التي تجعل المتعلم محور التعلمات، فقط هناك إلقاء في جميع المواد، بما فيها المواد العلمية، رغم أن بعض الدروس تختفي في قناع البداغوجيات العصرية، إلا أن كثافة البرامج تضغط على المدرسين، ليصبح هدفهم إتمام المقررات لتفادي المسؤوليات، لذلك يتحول الفصل الدراسي إلى زنزانة يتحرر المتعلم منها كلما رن الجرس، ليتنفس الصعداء، وهو ما يجعل المتعلمين يلتفتون إلى ساعاتهم أو هواتفهم لمعرفة الوقت المتبقي من سجن حصة الدرس.
أما استيراد البيداغوجيات ومحاولة تطبيقها في تربة غريبة عنها، فهو بمثابة وضع الدواء على العكاز، وتكريس مقولة "المدرسة المغربية حقل تجارب على الفئران" فلا بيداغوجيا الأهداف، ولا الكفايات، ولا الإدماج.. تستطيع إنجاح التعليم في المغرب، مادامت النوايا الحقيقية لإصلاح التعليم معدومة، ومادام التعليم المغربي في الظاهر يتغنى بالإصلاح، وفي الباطن يعيد إنتاج علاقات الإنتاج القائمة، والتي تهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم، وإعادة إنتاجه، عبر خلق أنماط متنوعة من التعليم، تعليم للنخبة، وتعليم للطبقة المتوسطة، وتعليم للفقراء، مما يعني أن الأدوار موزعة سلفا، والضجيج القائم حول فشل المنظومة التعليمية، ما هو إلا جانب من الإيديولوجيا التي تزيف الواقع وتقلب الحقائق، وتبعد أصابع الاتهام عن المسؤولين الفعليين عن كارثة التعليم، وتستبدلهم بأكباش فداء هم المدرسون غالبا، وتارة طرائق التعليم، وأخرى البرامج التعليمية..
أما الضحايا الحقيقيون هم المتعلمون الذين يغادر الكثير منهم الصف الدراسي بطريقة مبرمجة، إضافة إلى ظواهر العنف الذي يكفي الاكتظاظ لإشعال فتيله كما تؤكد النظريات السوسيولوجية حول نتائج "الزحام" وو.. والحديث عن الهدر الدراسي، أصبح لغوا مفضوحا، لأنه يخفي الحقيقة المرة هي "الغدر الدراسي" الذي يجسد معاناة المتعلمين المغاربة في المؤسسات التعليمية، وهم يحلمون بأن المدرسة قد تكون ممرا للترقي الاجتماعي، لقد تحدث الملك محمد السادس عن أزمة التعليم وضرورة إخراج التعليم من عنق الزجاجة، فعسى أن يكون الإصلاح المقبل صناعة للحقيقة لا سراب وهم.