الأقسام المشتركة من" إشكال تربوي" إلى "اختيار بيداغوجي"
جريدة المساء بتاريخ :22 اكتوبر2013 "المساء التربوي
تعتبر الأقسام المشتركة (المتعددة المستويات) في تمثلات المدرسات والمدرسين عقبة كأداء، ومشكلا يؤرق العاملين بها ، وهاجسا يحول دون الرضى المهني في هذه الأقسام ، ويتسبب في ضعف تحصيل المتعلمين وما يترتب عن ذلك من تأخر وفشل دراسي وهدر مدرسي.
وقد أفرز واقع هذه الأقسام صعوبات عدة تتعلق بتدبير الزمن والفضاء والتعلمات وتدبير الفوارق بين المتعلمين والمستويات ،كما أن تكوين المدرسين أو تأهيلهم لم يكن ليساعد على تدليل تلك الصعوبات ،وبالتالي لم يتمكن المتعلمون من إنماء الكفايات المفترض اكتسابها، وهذا في حد ذاته إخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين ،ناهيك عما يترتب عن ذلك من سلبيات على مستوى مخرجات المنظومة .
ولا يمكن لهذا الواقع رغم قتامة بعض زواياه أن يحجب عنا بعض الأدوار الأساسية لهذه الأقسام ،فقد ساهمت في الرفع من نسبة التمدرس ، والقضاء على الأمية ،وقربت المدرسة من المتعلمين رغم عوائق الجغرافيا والسوسيولوجيا،وساهمت في الحد من الهجرة القروية وفي تنمية العالم القروي إلى حد ما .
وبدل تكريس واقع هذه الظاهرة والاستسلام له يأخذ اليوم المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب على عاتقه تحديا كبيرا يتمثل في محاولة تغيير هذا الواقع ، ومن تم تغيير التمثلات السلبية للفاعلين التربويين حول القسم المشترك وتحويله إلى " اختيار بيداغوجي" يحقق النجاح والإنصاف . وهذه " سابقة " نوعية في تاريخ المنظومة التربوية إذا كتب لها الإرساء وتوفرت لها شروط النجاح .
ولتفعيل هذا المشروع / التحدي تعاقد المركز الوطني (cnipe) مع منظمة اليونسيف من أجل "وضع إطار منهجي جديد لتدبير الأقسام المشتركة ،وإنتاج عدة بيداغوجية خاصة بها " على مستوى ثلاث أكاديميات للتربية والتكوين تعاني من استفحال ظاهرة الأقسام المشتركة (مراكش تانسيفت الحوز وسوس ماسة درعة على الخصوص والجهة الشرقية ) في مواد اللغة العربية والفرنسية والرياضيات والأمازيغية ،مع ما يرافق ذلك من برامج لتكوين الأساتذة العاملين بهذه الأقسام ،ودعم خبرة المفتشين والمكونين في المراكز الجهوية لمهـــن التربية والتكــــوين (crmef).
انطلقت ورشات إنتاج العدة البيداغوجية الخاصة بالأقسام المشتركة بعد تقديم هذا المشروع يوم ثامن مارس 2013 بمراكش في سياق عام هو التعاون بين المغرب ومنظمة الأمم المتحدة أو ما يسمى ب(المخطط الإطار للأمم المتحدة للتعاون من أجل التنمية (undaf) ) . وهو مشروع يندرج في إطار " دعم التجديد التربوي لتعزيز الإنصاف في التعلمات بالأقسام المشتركة " تفعيلا للشراكة بين وزارة التربية الوطنية واليونسيف برسم سنوات 2012-2016 وفق "تصور واضح يستند إلى إطار مرجعي وطني لدعم التجديد التربوي " على حد تعبير المنسق الوطني للمشروع الدكتور نورالدين المازوني.
ومن جهة أخرى فإن المشرفين على العمل مركزيا لا ينفون الممارسات والاجتهادات في الميدان بل يدعون إلى مواكبتها وترصيدها وتوثيقها ونشرها وتشجيع البحث التربوي المتعلق بهذه الأقسام مع استثمار مبادئ البحث التدخلي والتجريب والتواصل.
وبعد اشتغال مؤلفي العدة (أساتذة أقسام ومفتشين ومكونين) شهورا على إعداد تخطيطات سنوية وتخطيطات على مستوى الوحدات ،وإنتاج مقاطع تعلمية بمنهجية جديدة ، انتقل فريق العمل إلى مرحلة التجريب واتخاذ الإجراءات والترتيبات اللازمة ،ومنها تكوين أساتذة التجريب على مستوى مناطق من جهة مراكش تانسيفت الحوز وفق مصوغة أعدت لهذا الغرض .
وقد أبانت التقارير التركيبية للتقويم عن نتائج مطمئنة ومشجعة رغم إكراهات نهاية السنة المنصرمة فقد ثمن أساتذة التجريب المشروع اقتناعا منهم بأن العدة الجديدة ستخفف عنهم العبء وستحسن مردوديتهم،وفي نفس الآن تم تسجيل ملاحظات موضوعية واقتراحات للانتقال إلى مرحلة تعديل العدة البيداغوجية (يوليوز 2013) وفق منهجية محددة راعت اقتراحات أساتذة التجريب خلال التكوين والتجريب ،وكذا اقتراحات فريق التتبع الميداني .
وتعد مرحلة التجريب أساسية في المشروع لاختبار الأدوات وآليات العمل وسيرورته ومواصفات الإنتاج .وفي هذا الصدد يؤكد الأستاذ عمر بنخضرة من مديرية المناهج على أن هذا المشروع ساهم في زيادة الوعي بواقع هذه الأقسام وحماس الفاعلين خلال مرحلة التجريب الأولى وانخراطهم وتثمين المشروع ككل وراهنيته ونجاعته التربوية مادام يعتمد التنويع في أشكال تدبير القسم مع التمركز التدريجي حول المتعلم (ة) ومساهمة المتعلمين في إنجاز الأنشطة.
وقد كانت سنة 2013 حافلة خرج بها فريق المشروع بحصيلة مهمة تمثلت في :
• إعداد دفتر التحملات الخاص بتفعيل خطة العمل 2013؛
• تحيين المعطيات الإحصائية الخاصة بالأقسام المشتركة؛
• إنجاز بحث بتعاون مع وحدة اليقظة العلمية والتكنولوجية التابعة للمدرسة العليا للأساتذة بليون بفرنسا للوقوف على التجارب الدولية في مجال تجديد الممارسات البيداغوجية بالأقسام المشتركة؛
• جرد البحوث الوطنية المنجزة بتعاون مع الوحدة المركزية للبحث التربوي؛
• تكوين فريق مصغر من مؤلفي العدة البيداغوجية الخاصة بالأقسام المشتركة؛
• إعداد مقاطع تعليمية تعلمية
• إنتاج مصوغة تكوينية لفائدة أساتذة التجريب؛
• المصادقة على الأدوات البيداغوجية التي تم إنتاجها بهدف إخضاعها للتجريب؛
• تكوين الأساتذة المكلفين بالتدريس بالأقسام المشتركة والمنخرطين في عملية التجريب؛
• تجريب العدة البيداغوجية المنتجة وتتبعها؛
• وضع خطة لتعديل وتحسين الأدوات على ضوء نتائج التجريب؛
• وضع تصور للمرحلة المقبلة؛
وبعد هذه الإنجازات التي تحققت في ظرف قياسي محفوف بإكراهات عديدة تبدو طبيعية في بناء المشاريع التربوية المعملة للمنهجية التشاركية ،ينفتح المشروع على رزنامة نوعية في المستقبل القريب يمكن حصرها فيما يلي:
• بناء إستراتيجية للتواصل حول المشروع
• تصوير مقاطع تعليمية تعلمية
• بناء جهاز لتقويم الأثر
• الشروع في تعميم المشروع على الأكاديميات المحتضنة من طرف اليونيسيف (أكاديمية سوس ماسة درعة) .
• تجويد تأليف العدة البيداغوجية للأقسام المشتركة،
• دعم عمليات التأليف من خلال توفير النصوص، الموارد الرقمية، المعينات الديداكتيكية..
• تكوين وتأطير فرق التأليف،
• التكوين الأساس والمستمر للأساتذة والأستاذات وتعزيز خبرة المفتشين والمؤطرين بمراكز التكوين. وتنشيط البحث التربوي.
وتجدر الإشارة إلى أن المشروع في إحدى ورشاته بتاريخ 21 شتنبر المنصرم بنيابة الحوز أضاف ورشة لإعداد " دليل منهجي لتدبير التعلمات" ،و "دليل للبيداغوجيا الفارقية " في الأقسام المشتركة لمد الفاعلين التربويين بوثائق تربوية ضمن حقيبة بيداغوجية .وقد توصلت الورشة حسب مقررتها الأستاذة فاطمة العساوي إلى إعداد شبكة تقنية لقراءة الدليلين و تكليف لجينة للقراءة مع تحديد سقف زمني للمصادقة ، لوضع الشبكة والدليلين رهن إشارة المؤلفين .
ولاشك أن قياس أثر المشروع سيتجلى في مدى تحقيق الإنصاف ،واستفادة المتعلم(ة) من كامل الزمن المدرسي ،وفي مدى توفر الوسائل الخاصة بذلك،وفي مدى تطور الاستقلالية والحافزية لدى المتعلمين ،وملاحظة الأثر كذلك في الممارسات التعلمية ، وهذا ما ينتظره الآباء والمهنيون بفارغ الصبر ليصبح القسم المشترك " اختيارا بيداغوجيا " يتبناه الجميع .
مستجدات الاقسام المشتركة
المواضيع المتشابهه
