كل فرد منا مشروع ديكتاتور
نستطيع الزعم دون مغامرة.. ان المثير للانتباه في ثقافتنا العربية الاسلامية انها لازالت مشبعة باحكام قيمة تتمثل "النقذ"كعملية مرادفة للاساءة ودالة على الانتقاص والاستصغار وقلة الادب. او سوء القصد في احسن الاحوال ...
حتى ليحار المرء في استفحال مفارقة تضخم التسويق لمفاهيم " الاختلاف.. الديموقراطية.. الحوار ... "مقابل تضخم وتعمق سلوكات اسماؤها متعددة ومضمونها واحد.. اعلان الحرب.. من موقع العداء ولذة الانتقام من هذا الذي تجرا حبره على انتقاد "اسياده "من المؤمنين الاوفياء او من الرفاق الاعزاء.. اسماء لحرب قد تتلطف فتقتصر على "كم حاجة حاربناها بقتلها رمزيا" ولو استيهاما..وقد تتوحش فيصل مداها التخوين والتكفير والتسفيه والقذف في الهوية والعرض..ولا يتذكر الواحد منا /الواحدة منا/ حقوق الحوار وتبادل الراي او السجال. والالحاح على ولوج التمرين الديموقراطي الا عندما يخال نفسه في موقع الضحية..فيتباكى ما شاءت له دموع الضيم او دموع التماسيح من التباكي والبكاء
ولعل هذه السمة تكاد تكون خاصية مشتركة في مجتمعاتنا في كل مستويات تشكيلتنا الاجتماعية. ولدى كل مكوناتنا ..بدا بالمتحكمين في قراراتنا من الحكام .. مرورا بالنخب بمختلف عباءاتها وشعاراتها ..وصولا الى الوحدات الاجتماعية الصغرى كالاسرة والحي والدوار وجماعة الاصدقاء .. الفرق الوحيد يكمن في الدرجة والحجم.اما النوع والجوهر فواحد عنوانه..العداء للنقذ والحرب على الاختلاف والمختلف .
لذلك ليس غريبا ان نبتلى بعمى الالوان .. فتتحول فضاءات تعليقاتنا الى حيز لظاهرة "حب العصافير- على حد تعبير الزميل الفيل لحظات الصفاء والود . او تمسي ساحة للمبارزة اللفظية تتوسل انياب مصاصي الدماء للنهش في الاعراض والمس بالحرمات ..في حالة تبادل الهجو بين اطراف الخطاطة السهلة .التي سبق وان نبهنا عبد الله العروي ذات "ثقافة جمر " انها نسبية .وانها نموذج مثال بمعناه الفيبيري لا غير / السلفي - الليبرالي - التقدمي / فالتدوين بما هو فضاء جماهيري مفتوح ..لازال البعض يتعاطى معه بمعيارسلطة المكتوب في مجتمع شفاهية ثقافته ..حيث يتوهم العديد منا .اننا بمجرد القدرة على صياغة عبارة . حتى لو كانت مجرد انشاء ..يتوهمون ان الواحد منا اضحى يجوب سماوات الفكر والمعرفة .. وبات يتملك ادوات الفصل والنظر والافتاء.. في السياسة والدين والثقافة .. ويتوفر على حق خشر انفه في القلوب والضمائر والاعراض..ليس من زاوية التفاعل والراي- ياريث الامر كان كذلك - بل من موقع من يمتلك ناصية القول وجلابيب الحقيقة .
اننا - فيما يبدو - امام ظاهرة انتعاش - وليس استمرار - ثقافة القطيع .ثقافة وجه عملتها الاول .. هو الصمت وطاطاة الراس لحظات الخوف من القمع المادي او الرمزي للزعيم الاوحد/ قائدا سياسيا.. او زعيما دينيا.. او حاكما../ . ووجه عملتها الثاني هو الحرب واعادة انتاج قيم الزعيم الاوحد المستبدة .وباشكال تختلف درجة ضغطها . اتجاه المختلف المتجرا على النقد في حالة امتلاك مساخة حرية ولو على سبيل المجاز / وايست الكواليس الا مراتها الناصعة /
والمحصلة اننا -في اغلبنا - نسهم - بوعي او بدون وعي - في اعادة انتاج قيم انحطاطنا الثقافي وتخلفنا الفكري.. ومن بدا له الامر مبالغا فيه فيلتامل احوال احزابنا ونقابتنا وجماعاتنا وعلاقاتنا..وابداعنا ... وان اراد ان يختصر المسافة فليجرب ممارسة الاختلاف داخل فضائنا التدويني بمجموعاته الكبرى ومجموعاته الصغرى...