المكاتب النقابية المحلية بين الماضي الجماهيري والحاضر المصلحي
في كل القطاعات تلعب النقابات دورا فاعلا لتحسين أوضاع المستخدمين والعمال وذلك بالدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم أما جشع أرباب العمل وأمام الإدارة المتعسفة التي لا تحترم أبجديات المواطن إذ تعتبره مجرد آلة بإمكانها أن تغيره وقت ما شاءت وتمنت لو عادت الأمور إلى العهود الغبرة لتشتري من سوق النخاسة العمال والموظفين .
لقد كانت فعلا النقابات سندا قويا يحتمي به العمال والموظفين على حد سواء أمام تعسفات الإدارة ولعل قرارات المحاكم الإدارية وغير الإدارية تثبت هذا الطرح.
بل إن بعض المسؤولين يعتبرون الإدارات التي وليت لهم لتسيير شؤونها حقلا وضيعة خاصة بهم فيسيروها على النمط الإقطاعي القديم فتبدأ المحسوبة والزابونية في لعب الأدوار الطلائعية الكبرى فتنهل المناصب الفارهة والكراسي الوثيرة على ذوي النعم والمقربين. فكانت النقابات تتطلع بالدور الأكبر لتحقيق جزء من العدالة ورد الاعتبار للمستخدمين والموظفين وقد تحمل الجيل الأول النصيب الأكبر من الظلم والتسلط للممارسة النقابية التي اعتبر في زمن ما جريمة لابد أن يعاقب عليها المسؤولون وأصحاب الشأن ويتغاضى القانون عن تلك الخروقات التي تصيب النقابي الشريف.
أما اليوم وقد حل جيل آخر بأفكار تقدمية أكثر وجرأة اكبر وأهداف مسطرة مسبقا أضحت النقابة مجرد وسيلة نقل من مكان متأخر إلى الصدارة والى القيمة المعنوية لزعماء الفروع المحلية بل إنها أيسر السبل لابتزاز المسؤولين المرتشين والذين لا يحترمون القانون وروح القانون ، لذلك أصبحت بعض الفروع المحلية لبعض النقابات مجرد طابع لتهديد من يقف أمام الأهداف المسطرة للزعيم النقابي الذي يريد الوصول إلى الأغراض الشخصية ثم يتخلى عن الزعامة النقابية لزعيم آخر له نفس الاهتمام قبل أن يغير هو أيضا البذلة ليلتحق بأصحاب النفوذ.
لذلك أصبحنا نسمع عن تورط مجموعة من الزعماء النقابيين المحليين في خرق القوانين وتجاوز المستحقين بالتلاعب في إصدار المذكرات حسب الأشخاص الذين توجه إليهم هذه المذكرات حسب المقاس لنيل الرضا وبالقانون ، فهؤلاء الزعماء أصبحوا يتغاضون عن العمل النقابي من اجل مصالح مادية ومعنوية ، فهذا يتغاضى عن أخطاء رب العمل أو المسؤول من اجل منصب أفضل وذاك عن تطبيق المذكرات الوزارية من اجل صديق عزيز للانتقال إلى مكان محدد وأخر يغض الطرف عن أخطاء وظلم المسؤول من اجل التقرب إلى المسؤول نفسه لعله ينال بعض النعم.
هكذا أضحت بعض النقابات المحلية حتى لم يعد للفعل النقابي ذلك الأثر وتلك القوة ، فالأوضاع قد تغيرت ولابد من الاستفادة الشخصية عوض الدفاع عن حقوق تتطلب جهدا وأخلاقا نقابية تربى عليها الجيل الأول.
فأصبحت الفروع المحلية للنقابات لا يتعدى عدد أعضائها ومنخرطيها الثلاثين عضوا أو الأربعين في أحسن الأحوال بل هناك من لم يتجاوز العشرين أصلا، وأمام هذا المأزق في غياب الثقة ابتعد الكثيرون عن العمل النقابي وحتى السياسي ولعل انتخابات 7 شتنبر ونسبة المقاطعة الكبيرة لخير مثال . حتى إن الفروع المحلية لم تعد قادرة على الدعوة إلى الوقفات الاحتجاجية والى الإضرابات المحلية ، وبدأت تكتفي بالدعوة في أفضل حالاتها إلى وقفات للمكتب النقابي الذي لا يتعدى أعضاؤه في الغالب 13 عضوا، تحت ذرائع شتى أهمها عدم المساس بالسير العادي لمختلف الإدارات وخدمة المواطن، وليس الإضراب هدفا بحد ذاته وإنما وسيلة لتحقيق الأهداف، دون أن ننسى بان بالأمس القريب كانت الإضرابات متعددة أمام كل خرق ولو بحسن نية ، لكن الواقع يجبر على ذلك فلا احد يثق في المكاتب النقابية المحلية ولم يعودوا يستطيعون جمع ذلك الجم الغفير من المنخرطين في وقفات احتجاجية ، والكل يعلم منذ البداية بان الإضرابات ليست هدفا ولا مبتغى وإنما هي وسيلة لرد الحقوق أو انتزاعها أو لإثارة الانتباه لقضية من القضايا، حتى الغلاء الذي لحق اثره جيوب العباد وأقول الطبقة الشغيلة لم تنبس النقابات المركزية ولا المكاتب المحلية ببنت شفة.
لذلك أخذت الجمعيات الحقوقية على عاتقها إثارة هذا الأمر للفت انتباه المسؤولين الذين يتقاضون أجورا لا تسمح لهم البتة بالإحساس بالجيوب الفارغة والبطون الجائعة.
لقد ولى العمل النقابي ولم تعد لبعض الوقفات الاحتجاجية ذلك الصدى الذي كان أيام زمان.
فلابد من تغيير الأوضاع قبل فوات الأوان ، قبل أن يتخلى الكل عن المؤسسات العمومية والنضالية ليجدوا أنفسهم لقمة سائغة للظلاميين والمتشددين. فتطبيق القانون حتى لا يشعر المواطن بالغبن واستهتارا بحقوقه المشروعة التي يراها تتبخر من بين يديه بوسائل التفافية تساعد فيها بعض مسؤولي المكاتب النقابية المحلية المسؤولين المحليين لهضم حقوق ذوي الحقوق من اجل مصلحة خاصة بزعيم نقابي محلي واستئثار المسؤول بإقطاعيته.
موحى خيري مدرس بمدرسة 3 مارس آسا اقليم اسا الزاك.
[email protected]