لقد كشفت السنوات عن زلة كبيرة وقعت فيها وزارة التربية الوطنية، رغبة منها في الرقي بالتعليم العالي، عن طريق إصلاحه وتجديده من الناحية البيداغوجية، جاعلة من طلبة المغرب فئران تجربة، إذا حدث ولم تنجح هذه التجربة فلا بأس بتضرر أبناء الطبقة الشعبية، فقد كانت النية حسنة في ظاهرها، إذ أن الشعار الذي رفعه المصلحون هو إعطاء الجامعة دورا أكثر نشاطا في تنمية المجتمع، وتجديد الأجهزة التربوية في علاقتها بالطالب،والتركيز على دور الثورة المعلوماتية في تطوير طرق التدريس.
أما التغييرات الأكاديمية التي يحملها الإصلاح فهي عصرنة التعليم العالي وتأهيل الطالب.
لكن الأمر الذي لم يكن في الحسبان -- أو ربما كان وتم التغاضي عنه -- وبعد مرور خمس سنوات على إنزال هذا الإصلاح، تأكد أنه فشل فشلا ذريعا، فكان إفسادا للتعليم العالي وقضاءا على جودته، أكثر منه إصلاحا له.
وشخصيا أرى أن ذلك كان متوقعا، وأطرح هنا سؤالا مشروعا، هل تم وضع هذا إلاصلاح بناء على دراسة ميدانية للجامعات المغربية، وللظروف التي يعشيها الطلبة بالمغرب؟ أم أنه منقول حرفيا من الجامعات الأوربية بدون مراعاة الفوارق الصارخة بين هذه وتلك ؟؟؟..
فالإصلاح أصبح يفرض حضور الطالب لمواكبة المحاضرات التي يعمل فيها الأستاذ على تلقين الطلبة بعض العوارض التي تمكنهم من الحصول على علامات جيدة في إمتحانات المراقبة المستمرة، وذلك في سباق شاق مع الزمن، دون الأخذ بعين الإعتبار متاعب هذا الحضور بالنسبة للطالب البعيد عن مدينته أو قريته، فلا المنحة الدراسية، ولا الحي الجامعي،ولا أي من الظروف المحيطة تشجعه على الحضور المستمر.
وعندما يتحمل الطالب هذه المشاق، ويتدبر أموره بالصبر والتجلد، لا يجد كيفية تمكنه من مواكبة أربع وحدات في الفصل الواحد، كل وحدة تتشكل من مجزوءتين على الأقل، وذلك بما يتطلبه الأمر من البحث عن المراجع والمصادر التي تمكنه من الإحاطة بكل مجزوءة على حدى، في فترة زمنية حددها الإصلاح في خمس وسبعين ساعة للفصل الواحد.
وهكذا يجد الطالب نفسه بعد مرور ثلاث سنوات، حاملا شهادة تدل على أنه قضى فترة محددة في الجامعة، دون أن تنتج هذه الفترة طالبا مؤهلا للبحث وإنتاج المعرفة، طبعا دون أن يعني هذا تقليلا من شأن الطالب المغربي، فما عساه يصنع أمام سياسة للتعليم أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها عرجاء.
أخيرا أتساءل : ألم يحن الوقت بعد للتفكير في إصلاح هذا الإصلاح؟ أم أن الدولة المغربة راضية على الرتب التي تحتلها في التصنيفات الدولية؟