ناقدان مغربيان يلجآن إلى القضاء لإعادة الاعتبار لوضع الكتاب

[عبد العالي الرامي]

في الوقت الذي تحتفي فيه العديد من دور النشر العربية بالكتابات المغربية وبالخصوص الدراسات النقدية والأدبية، التي تحقق لها أحسن المبيعات في المعارض العربية للكتاب، مثلما هو الشأن مع كتابي الناقد المغربي عبداللطيف محفوظ في معرض بيروت الدولي الأخير للكتاب: «المعنى وفرضيات الإنتاج.. مقاربة سيميائية في روايات نجيب محفوظ» و «آليات إنتاج النص الروائي.. نحو تصور سيميائي» الصادرين عن الدار العربية للعلوم «ناشرون» ببيروت ومنشورات الاختلاف بالجزائر سنة 2008، واللذين احتلا المراتب الأولى في سلم الكتب الأكثر مبيعا حسب بعض المواقع الثقافية المتخصصة والمتتبعة لوضع الكتاب والنشر في الوطن العربي، نجد نفس الكاتب، والأستاذ الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن أمسيك بالدار البيضاء ،يعيش معاناة كبيرة في المغرب منذ ما يفوق السنة إلى جانب الكاتبة وفاء سلاوي بسبب إقدام إحدى شركات التوزيع على إبادة كتابيهما في طبعتهما المغربية الصادرة عن منشورات القلم المغربي: «آليات إنتاج النص الروائي» لعبداللطيف محفوظ و « فقه المحاكمات الأدبية والفكرية» لوفاء سلاوي، وتحويلهما بعد الطحن إلى ورق من دون أي سبب معقول.
صدم محفوظ، ،لأنه لم يتوقع أن تطحن كتبه ولا كتب الآخرين ،خصوصا أن زمن حرق وإبادة الكتب قد ولَّى برأيه.
وفي تصريح لصحيفة «العرب» ذكر الناقد عبداللطيف محفوظ أن منشورات القلم المغربي «وضعت كتابه وكتاب وفاء سلاوي في عهدة شركة «سابريس» باعتبارها أقوى شركة توزيع بالمغرب. وبعد انتهاء المدة المتفق عليها والخاصة بإعادة المرجوعات، وبعد تحديد الشركة موعدا لاسترجاع ما تبقى من كتبنا. توجهنا وفق ما هو محدد إلى مقر الشركة من أجل شحن مرجوعات الكتب،فأخبرنا الموظف أن مرجوعات الكتب غير متفرة الآن، وأخذوا للمرة الرابعة رقم هاتفي للاتصال بي عندما يصبح جلبها ممكنا.
و بعد أيام على وثيقة تؤكد أن الشركة قد طحنت الكتابين، وإذا كانت واقعة الطحن ثابتة وفق هذه الوثيقة، فلا يعرف إن كان فعلا قد تحقق الطحن ومتى تحقق، هل قبل استدعائنا وتسليم مرجوعات الكتب الأخرى، أم بعد ذلك».
وأضاف عبداللطيف محفوظ أنه بعد تسلمه للوثيقة راسل المدير العام لشركة «سابريس» لإيجاد حل للموضوع، ولكنه قوبل بالتسويف وبتحديد مواعيد وراء أخرى من دون فائدة حتى مضت سنة على الأمر، فأصدر هو والكاتبة وفاء سلاوي بيانا للرأي العام قبل اللجوء إلى القضاء، من أجل التعريف بجسامة الحيف الرمزي الذي طال وضعهما الاعتباري ككاتبين، والإعلان عن احتجاجهما على هذا التعسف والإهمال اللذين سببا لهما ضررا معنويا وماديا من دون أي قرار قانوني أو حجة تمكن الطرف الآخر بالتصرف في حقوق المؤلفين، وأنهما سيلجآن إلى القضاء لينصفهما حتى لا يتكرر هذا الأمر معهما ومع أي كاتب آخر بالمغرب.
ومنذ صدور بيان الكاتبين المغربيين عبداللطيف محفوظ ووفاء سلاوي في بعض المنابر العربية وبعض المواقع الإلكترونية، لأن الصحف والمجلات المغربية تحاشت تناول الموضوع لأن شركة «سابريس» هي التي توزع أغلب الصحف والمجلات بالمغرب، توالت العديد من رسائل التضامن مع الكاتبين في محنتهما ومن التوقيعات المساندة لهما، وذلك من دون أن تحرك المؤسسات الثقافية المغربية من مثل: اتحاد كتاب المغرب أي ساكن، هذا رغم تحرك الكاتب عبداللطيف محفوظ وشعيب حليفي في المؤتمر الأخير لاتحاد كتاب المغرب من أجل إخطار الكتاب بالأمر وجمع توقيعاتهم. ويظل مختبر السرديات بكلية الآداب بن أمسيك بالدار البيضاء ونادي القلم المغربي هما الجهتين اللتين تحركتا من أجل التضامن مع الكاتبين، وللإشارة فقد حاو ت صحيفة «العرب» الاتصال بشركة «سابريس» للتوزيع من أجل معرفة وجهة نظرها في الموضوع، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، ورفض المسؤولون التعليق أو إبداء رأيهم في الموضوع. ومن جهة أخرى ذكر بعض الناشرين المغاربة أنهم يتضامنون مع الكاتبين في هذه المحنة وأنهم لا يستسيغون طحن الكتابين، خصوصا أنه لم تمر سنتان على طرحهما بالسوق. وأشار الناشرون إلى أنهم يلجؤون مكرهين إلى إعدام بعض الكتب وذلك بعد مرور سنوات عدَّة على صدورها، وذلك لأنهم لا يتوافرون على أماكن تسع لتخزين الكتب، التي تعاني أصلا قلة المبيعات بالمغرب.
وفي تصريح لـ «العرب» ذكر الكاتب عبدالجليل ناظم المسؤول عن «دار توبقال للنشر» أن حلقة التوزيع هي النقطة الأضعف في قطاع النشر بالمغرب وأنه كان ينبغي معالجتها منذ زمان حتى يكون الكتاب المغربي حاضرا على مستوى الداخل والخارج، وحتى لا تظهر مثل هذه الممارسات المخلة بالوضع الاعتباري للكاتب بالمغرب.
وحول مصير مرجوعات كتب «دار توبقال للنشر» أشار ناظم إلى أنه لا يتم التخلص منها إلا بعد مرور سنوات على صدورها، إما عبر بيعها لأرباب مكتبات الكتب القديمة بأثمنة زهيدة وإما دفعها لمصانع الورق من أجل طحنها وتحويلها إلى ورق تستفيد منه الدار من جديد.
أما الكاتبة والناقدة زهور كرام، فقد اعتبرت ما حدث للكاتبين عبداللطيف محفوظ ووفاء سلاوي عملية قتل للكاتب المغربي وللكتاب وللثقافة بشكل عام. وأشارت إلى أن «توزيع الكتاب بالمغرب إشكالية كبيرة وسبب مباشر في عدم وصول الكتاب إلى القارئ، ففي ظل غياب استراتيجية ثقافية واضحة وتصور واضح يهم قطاع النار، سيظل الكتاب المغربي في أزمة دائمة وفي غربة لأنه لا يصل إلى قارئه، وسيفقد الكاتب شهية الكتابة ومتعتها».
وأضافت كرام أن الكتاب المغربي اليوم غير مقروء في بلده بالشكل الذي هو عليه في الخارج وبالخصوص العالم العربي، فدور النشر العربية أصبحت تتسابق من أجل طبع الكتاب المغربي وتحقق من خلاله مبيعات مهمة، ويكفي النظر إلى عدد الكتب المغربية الصادرة في الخارج ليقف المرء على حقيقة مأساة الكتاب المغاربة في بلدهم.. «فمن يقتل الكتاب المغربي؟ إنهم للأسف ناشروه وموزعوه ومؤسساته الوصية التي لا تقوم بأدوارها اللازمة».
وللإشارة فإن إعدام كتابي المؤلفين المغربيين عبداللطيف محفوظ ووفاء سلاوي لا يعتبر سابقة في المغرب، لأنه سبق لكتاب آخرين أن تعرضوا للموقف نفسه أو مواقف أخرى من مثل الشاعر المغربي الشاب المقيم ببلجيكا غباري الهواري الذي أقدمت شركة «سوشبريس» في يونيو 2007 على إتلاف ديوانه «حدثني الماء» بمبرر أنه تجاوز المدة المحددة في العقد الذي أبرمه مع شركة التوزيع، وهي المدة التي لا تتعدى ستة أشهر، مع العلم أن الشاعر المغترب أخبر ممثل الشركة الذي وقَّع معه العقد بأنه يقيم في لييج البلجيكية وقد يتأخر في زيارة المغرب. لكن الشركة لم تراعِ ذلك كله وأقدمت على طحن الكتاب وطحن كل رغبة لدى الكاتب في إنتاج عمل جديد، اللهم إلا رثاء قصائده الأولى التي لم يبقَ منها إلا الغبار.
ولعل هذا الأمر هو الذي دفع بعض الكتاب إلى تأسيس دور نشر خاصة لطبع كتبهم وكتب أصدقائهم، كما هو الشأن مع «منشورات الغني» للكاتب عبدالغني أبوالعزم، و «منشورات الموجة» للكاتب عبدالقادر الشاوي، و «منشورات عيني» للكاتبة والمحللة النفسانية غيثة الخياط، ودار «جذور للنشر» للكاتب والمترجم عبدالرحيم حزل، ودار «زاوية للنشر» للكاتب والروائي إدريس بلمليح، كما أقدم الكثير من الكتاب والكاتبات على توزيع أعمالهم بأنفسهم، حتى تلك التي يطبعونها في دور نشر معروفة يمكن أن تقوم بتوزيعها، وذلك من خلال لقاءات وحفلات توقيعات في مختلف المدن المغربية، لسبب بسيط، لأن الكاتب لم تعد له ثقة لا في دور النشر ولا في شركات التوزيع. وهذا ما حرصت عليه القاصة ربيعة ريحان خلال السنتين الأخيرتين، حيث طبعت مجموعتها القصصية الأخيرة «أجنحة للحكي»على نفقتها الخاصة ووزعتها بنفسها، وكانت هذه التجربة، كما قالت، ذات مردودية معنوية ومادية بالنسبة لها، لأنها استطاعت إيصال كتابها إلى مجموعة من مدن الهامش وإلى العديد من القراء الذين لا يترددون في اقتناء الكتب والتجاوب مع الكتاب.
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=68599&issueNo=381&secId=18
http://www.doroob.com/?p=32965
http://maakom.com/site/article/1269