مسلحون بالصحراء الغربية
مدريد ـ الرباط ـ القدس العربي ـ من حسين مجدوبي ومحمود معروف ـ صادق البرلمان الأوروبي على التقرير الذي يندد بخروقات حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، في حين يرى وزير خارجية اسبانيا ميغيل آنخيل موراتينوس أن هناك تنسيقا بين باريس وواشنطن ومدريد حول نزاع الصحراء وأنه يجب وضع كل طرف أمام مسؤولياته.
وكان التقرير قد تسرب الأسبوع الماضي الى بعض وسائل الاعلام قبل أن يناقشه البرلمان الأوروبي أو يصادق عليه، الأمر الذي أثار احتجاجات قوية من حكومة الرباط وبعض الصحف المغربية التي اعتبرت أن الأمر يتعلق بعمل مقصود ومتعمد خاصة وأن التقرير غير المصادق عليه كان قاسيا مع المغرب.
وجاء التقرير النهائي نسخة طبق الأصل تقريبا للتقرير الذي جرى تسريبه حيث يشدد على تجاوزات من طرف الشرطة المغربية وعدم حياد القضاء وعدم إفساح المجال أمام أغلبية الصحراويين للتعبير عن آرائهم ويلح على ضرورة إدماج مراقبة حقوق الإنسان ضمن مهمة المينورسو، القوات التي تحفظ السلام في الصحراء. ويضاف التقرير الأوروبي الى تقارير أخرى تحدثت عن انتهاكات لحقوق الانسان بالصحراء الغربية المتنازوع عليها بين المغرب والبوليزاريو.
وفي رد فعل وصف مسؤول مغربي كبير التقرير البرلماني الاوروبي بـ"المتحيز" وقال انه "يتضمن مغالطات تسيء لسمعة المغرب في ميدان حقوق الانسان"، بينما رحبت جبهة البوليزاريو بالتقرير.
وقال مصطفى المنصوري رئيس مجلس النواب المغربي خلال لقاء عقده مع الصحافة على هامش مشاركته في الدورة العامة الخامسة للجمعية البرلمانية الأورو-متوسطية التي اختتمت في بروكسل أن التقرير يتضمن "مغالطات تسيء لسمعة المغرب" في مجال حقوق الإنسان ولـ"جهوده الكبيرة من أجل إرساء دولة الحق والقانون".
وأكد المسؤول المغربي أن التقرير "يغض الطرف بشكل واضح عن التطورات الإيجابية التي عرفها ملف الصحراء بعد الجهود الجادة وذات المصداقية" التي قام بها المغرب من خلال اقتراحه منح الصحراء حكما ذاتيا موسعا تحت سيادته من أجل إيجاد حل لهذا النزاع.
وقام وفد برلماني اوروبي نهاية كانون الثاني/يناير الماضي بزيارة للمغرب بتكليف من البرلمان الاوروبي لوضع تقرير حول حقوق الانسان في الصحراء الغربية. والتقى الوفد خلال زيارته عددا من المسؤولين المغاربة وممثلي منظمات المجتمع المدني وناشطين حقوقيين من بينهم مؤيدون لجبهة البوليزاريو ومطالبها باقامة دولة مستقلة بالصحراء الغربية.
وقال التقرير الذي اعده الوفد وصادق عليه يوم الثلاثاء الماضي النواب الأوروبيون الأعضاء بمجموعة العلاقات مع بلدان المغرب العربي والمجموعة الخاصة بالصحراء الغربية على ان يقدم فيما بعد إلى رؤساء البرلمانات الأوروبية (التي تضم رؤساء المجموعات السياسية).
واعتبر العديد من النواب خلال النقاش أن هذا التقرير "ضروري" وجاء في "أوانه" معتبرين أنه يعكس الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب بالصحراء الغربية.
وأوصت البعثة في ذات السياق بالقيام بـ"أعمال معمقة" تشمل التعرف على الجثث من خلال وضع قاعدة معطيات الحمض النووي الريبي منقوص الأكسيجين وإعادة الجثث للعائلات المعنية.
وقال مصطفى المنصوري إن "خصوم وحدتنا الترابية أرادوا، عن طريق تسريب هذا التقرير المتحيز، التشويش على النجاح والتأييد الدوليين المتزايد الذي لقيته مبادرة الحكم الذاتي من خلال تناولهم المغلوط والغير موضوعي لملف حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية".
وأبرز المنصوري أن "تحيز" التقرير "يتجلى بشكل واضح من خلال سكوته عن تقارير عدد من المنظمات غير الحكومية الدولية وبرنامج الغذاء العالمي التي تفضح الخروقات التي تقترفها جبهة البوليزاريو في حق سكان مخيمات تندوف (بالجزائر) من تعذيب ممنهج وقمع للحريات والمتاجرة في المساعدات الإنسانية من طرف قياديي هذا الكيان الوهمي".
وأشار رئيس مجلس النواب المغربي أن وفد البرلمان الأوروبي كانت مهمته منحصرة في إعداد تقرير حول وضعية حقوق الإنسان، ولم يكن من حقه بتاتا تقديم حكم سياسي حول الخلاف القائم حول هذه القضية والمعروض على الأمم المتحدة في إطار القرار الأخير لمجلس الأمن.
وندد المنصوري أيضا بتسريب التقرير، مشيرا إلى أنه أجرى مباحثات في بروكسل مع عدد من المسؤولين في البرلمان الأوروبي عبر لهم من خلالها عن استياء المغرب من هذه العملية التي "تحمل أبعادا سياسوية تسعى إلى الإساءة للعلاقات التي تجمع بين المغرب والاتحاد الأوروبي".
وكان المغرب شن حملة سياسية واسعة للتنديد بتسريب تقرير البعثة الاوروبية الى الصحافة الاسبانية. وحسب اوساط دبلوماسية طالب المغرب رئاسة البرلمان الاوروبي بعدم المصادقة على التقرير لما تضمن من "مغالطات ومعلومات غير دقيقة ومزيفة".
من جهتها رحبت جبهة البوليزاريو بتقرير وفد البرلمان الأوروبي. ورحب محمد سيداتي ممثل الجبهة لدى الاتحاد الاوروبي بتوصيات البعثة حول توسيع مهمة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية لتشمل مراقبة وضعية حقوق الإنسان في المنطقة، ومطالبة مجلس الأمن الدولي بتبني ذلك ليتم تطبيقه، وهو المطلب الذي تسعى اليه جبهة البوليزاريو منذ عدة سنوات، حسب قوله.
وتقترح الاوساط الدبلوماسية بالرباط ان جبهة البوليزاريو سوف تحمل تقرير البعثة البرلمانية الاوروبية الى مجلس الامن للضغط من اجل اضافة مراقبة حقوق الانسان الى اختصاصات بعثة الامم المتحدة المنتشرة بالصحراء (مينورسو)، وهو ما يرفضه المغرب بشدة ويعتبره انتقاصا من سيادته على المنطقة التي يؤكد انها جزء من ترابه الوطني ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية كحل للنزاع.
واوضح سيداتي انه "بعد عدة سنوات من منع السلطات المغربية، للبرلمان الأوروبي من دخول الصحراء الغربية، تمكن أخيرا من زيارة المنطقة وذكر التقرير الذي خرج به أن الأمم المتحدة تعتبر الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار، لم يسمح لسكانها بعد، بممارسة حقهم في تقرير المصير، رابطا الحرمان من هذا الحق بمجمل المشاكل المتعلقة بحقوق الإنسان في المناطق التي يحتلها المغرب".
وأوضح أن البعثة الأوروبية التي أعدت التقرير ذهبت إلى الصحراء والتقت بعدة جهات فاعلة في المجتمع المدني هناك. وقال ان الوفد "استمع بشكل مباشر إلى شهادات ضحايا الأعمال الوحشية المرتكبة من طرف السلطات المغربية"، مضيفا ان "هذه المناطق تنعدم فيها الحقوق الأساسية، كحرية التعبير والتنقل".
وعبر سيداتي عن استعداد جبهة البوليزاريو للتعاون مع الاتحاد الأوروبي حول أي مبادرة من هذا النوع "على النقيض مع المغرب" مؤكدا أن الجبهة "ليس لديها ما تخفيه".
البرلمان الاسباني
من جهة أخرى، شهد البرلمان الإسباني يوم الثلاثاء نقاشا حول نزاع الصحراء، كشف خلاله وزير الخارجية ميغيل آنخيل موراتينوس أن تأييد مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لا يعني نهائيا التفريط في حقوق الشعب الصحراوي أو تبني موقف مضاد لتقرير المصير.
موراتينوس استعمل تعابير تدل على ضرورة البحث عن حل يجمع بين الحكم الذاتي وتقرير المصير، وهي الصيغ نفسها التي كان قد نادى بها المبعوث الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء بيتر فان فالسيوم عندما كتبت في صحيفة الباييس أن "الحل يكمن في تقديم البوليزاريو مقترحاً يزاوج بين الاستفتاء والحكم الذاتي". ولم تتم بلورة أي صيغة تجمع بين المقترحين حتى الآن.
وهذه أول مرة يصدر موقف للإدارة الإسبانية قريب من الموقف المغربي في هذا النزاع، الأمر الذي أثار احتجاج جبهة البوليزاريو الذي ندد وزير خارجيتها محمد ولد السلك بموقف موراتينوس ودعاه الى التراجع عن هذه التصريحات.
ومن جانب آخر، فقد كشف موراتينوس عن وجود تنسيق وتفاهم بين واشنطن وباريس ومدريد حول نزاع الصحراء الغربية في الوقت الراهن لم يسبق أن تم تسجيله خلال الثلاثة عقود الأخيرة عندما كانت كل دولة تتبنى موقفا مختلفا في نزاع الصحراء الغربية.
وفي هذا الصدد، يرى موراتينوس أن "بتوحيد مواقف الدول الثلاث سيكون هناك رد فعل إيجابي من الأطراف المعنية بالنزاع".
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fn...b=&storytitlec=