خرج الدعاة إلى الله كعادتهم،كلما حلوا ببلد أجنبي يمشون بهدوء وسكينة وسط المارة ،وقد غضوا أبصارهم عن الحلال والحرام...فالمهمة التي جاؤوا من أجلها أعظم من الدنيا وما فيها ،وتحقيقها يقتضي كثيرا من التوجه إلى الله،واستمداد القوة والتأثير منه سبحانه وتعالى .
فجأة استوقفهم رجل ،وتحدث إليهم بالإنجليزية ، وسألهم إن كانوا من بلاد العرب،وبعد أن ردوا عليه بالإيجاب رحب بهم ،وقال لهم بأنه هو أيضا ينحدر من أصول عربية،ولكنه يجهل كل شيء عنالحجاز بالسعودية بلاده الأصلية،وأن عائلته مقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ ما ينيف عن قرنين .رحب الدعاة بالرجل غاية الترحيب،وقدموا له أنفسهم ،ثم عرضوا عليه مرافقتهم إلى إحدى مراكز الدعوة إلى الله...ترددالرجل كثيرا ،وبدى أنه يخفي شيئا ،فبادره أحدهم بالسؤال إن كان يعرف دين آبائه وأجداده...فرد الأمريكي بالنفي،وبدى أن السؤال قد فتح له مجالا للتعبير عما تختلج به نفسه،فاستطرد قائلا :"أنا مسيحي كاثوليكي مثل أبي وأمي،ولا أعرف عن الإسلام إلا ما تتداوله الصحف والمجلات...يعني أنه دين فيه شيء من العنف ...من..." فنكس الرجال رؤوسهم ملتمسين للرجل المضلل ألف عذر.
بدى للدعاة أن أسرة الرجل وهي تبحث عن لقمة العيش قد أضاعت الدين ،وأن ذلك أصبح متجدرا فيها فالرجل ،كان قد فتح عينيه على أبوين مسيحيين،ولاشك أن أبناءه أيضا يتبعون نفس الديانة.لذلك عاملوه بالحكمة والمعاملة الحسنة وقرروا أن يهدوه عطورا وقميصا وغطاء رأس خاص ببلاده الأصلية .ثم تبادلوا معه أرقام التليفون وعنوان الإقامة ووعدوه بزيارته إن لم يزرهم في اليوم الموالي.ثم غادروه وقلوبهم متلهفة إلى رؤية الرجل وقد رد الله به إلى الإسلام ردا جميلا.
ذهب الرجل إلى بيته وقدم لأولاده هدية أصدقائه الجدد من العرب،فأعجبتهم واستحسنوا صنيع هؤلاء الناس مع أبيهم،فيما قضى الدعاة إلىالله ليلتهم وهم يبكون على الله ليرد بالرجل ويشرح صدور العالمين إلى طريق الحق... وفي اليوم الموالي لم يطق الرجل البعد عن هؤلاء الناس الكرام الطيبين، فانطلق بكرة رفقة ابنه الأكبر إلى مركز الدعوة إلى الله الذي يقيم به الدعاة وجالسهم طويلا وسمع كلامهم عن الإسلام...
عاد الرجل إلى أهله ،وحكى لهم ما رأى وما سمع عن الإسلام وعباداته وأخلاقه ومزاياهوأخبار الصحابة والتابعين،الذين ضربوا المثال في النبل والكرامة والأخلاق الفاضلة،فاستحسنوا جميعا ماسمعوه وأدركوا أن الصورة الحقيقية لدين أسلاف أبيهم ليست تماما كما يقدمهاالإعلام هناك،فازداد تلهفهم وشوقهم لمعرفة الكثير عن دين الحق وعن حياة أهله وعاداتهم،بل وبدؤوا يدركون أن ماهم عليه ليس كله حق...وبعد أيام ثلاثة من مرافقة هؤلاء الصالحين ومجالستهم، شرح الله صدر الرجل للإسلام،فشهد شهادة الحق،فوجد طريق السعادة التي كان يبحث عنها ،وازدادت محبته للناس الذين كانوا سببا في إنقاذه من الضلال،فأقام على شرفهم حفل عشاء.
كان الحفل رائعا ،وكانت الجالسون يشعرون بنور بهي يشع من كلام أحد الدعاة وهو يذكرهم بالله،وبينما كان المتكلم يختم كلامه تقدم رب الأسرة نحو الجالسين ووجهه يتهلل فرحا فقال:"إن زوجتي وهي تسمع اإلى كلامكم وهي في الغرفة لتعلن أنها فد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا"
هلل الحاضرون وفرحوا كثيرا بالخبر،وهنؤوا الرجل على محباه الله به من نعمة الإسلام....
قبل أن ينصرف الدعاة إلى مكان إقامة ،استبقاهم الرجل،ليريهم أوراقا ،فحدقوا جميعا،فإذا هي شجرة نسبه ،فتناولها أحدهم وجعل يقرأ نسب الرجل ،وقبل أن يسمعهم ما يقرأ انفجر باكيا بدموع غزيرة وشهيق مسموع كأنه طفل صغير...
تناول رجل آخر الورقة وقرأها بصوت جهوري أشج،وقد شدت أنظار الجالسين إليه،وقد استعدوا لمفاجأة ما،فذرفت عيونهم جميعا وهم يسمعون الرجل يقول:"إن أخانا هذا،صاحب البيت هو من أحفاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه" محمد 2