القدس ومسيرة التسوية.. ملف حاضر غائب (1ـ3) - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



أدوات الموضوع

الصورة الرمزية ابن الاسلام
ابن الاسلام
:: تربوي ذهبي
ناصر القضايا العادلة ::
تاريخ التسجيل: 11 - 9 - 2008
المشاركات: 3,085
معدل تقييم المستوى: 501
ابن الاسلام على طريق التميزابن الاسلام على طريق التميز
ابن الاسلام غير متواجد حالياً
نشاط [ ابن الاسلام ]
قوة السمعة:501
قديم 18-05-2009, 17:31 المشاركة 1   
افتراضي القدس ومسيرة التسوية.. ملف حاضر غائب (1ـ3)

القدس ومسيرة التسوية.. ملف حاضر غائب (1ـ3)
محمد جمعة *
اسلام اون لاين 17-5-2009
ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ

مدينة القدس
مثلت قضية القدس، ولا تزال، واحدة من أهم معضلات عملية التسوية للصراع العربي الإسرائيلي، وذلك لتشابك المصالح السياسية للأطراف المختلفة من جهة، وتشابك الجوانب العقيدية والسياسية في آن واحد من جهة أخرى، لتضفي عليها تعقيداً جديداً. وقد انعكس هذا الأمر على عملية التسوية، وذلك من زاويتين:
الأولى: تجسدت في الحضور الدائم لتلك القضية في كل الصيغ والأطروحات التي تم تداولها لإنجاز التسوية، سواء تلك التي طرحت قبل قيام إسرائيل ذاتها، أو تلك التي تم تداولها بعد وقوع النكبة عام 1948 وحتى اللحظة الراهنة.
والثانية: عدم حسم ملف القدس والتأجيل المستمر له، على الرغم من مناقشته في كل المعاهدات التي وقعتها إسرائيل بالفعل مع الأطراف العربية الثلاث: مصر عام 1978، ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، والأردن عام 1994، وذلك بناء على رغبات الراعي الأمريكي، والطرف الإسرائيلي، وأحياناً رغبة تلك الأطراف العربية ذاتها.
ولذا فإن تتبع مسار قضية القدس خلال مسار العمليات التفاوضية بين العرب وإسرائيل، يعكس بشكل عملي المنهج المتبع أو المعتمد من قبل المفاوضين العرب والمفاوض الإسرائيلي إزاء القدس، ويساعد على استخلاص علامات استرشادية مهمة يمكن من خلالها فهم أو توقع بعض مسارات التفاوض المستقبلية حول القضية ذاتها، خاصة وأن اعتماد الطرفين العربي والإسرائيلي، وكذلك "الراعي الأمريكي"، في كل المحطات السابقة للنهج التأجيلي في حسم قضية القدس كان ولا يزال مثار جدل كبير في الساحات العربية والإسلامية، من زاوية تأثيره على وضع القدس ومستقبلها وتحديد مصيرها، في ظل إستراتيجية إسرائيلية لا تترك يوماً يمر دون خلق وقائع جديدة على الأرض، تصادر بها على أية نتائج محتملة للتفاوض، وتخدم في ذات الوقت ادعاءاتها بأحقيتها بالمدينة المقدسة.
القدس في معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية
شكلت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية -بوصفها أول معاهدة عربية إسرائيلية- منعطفاً هاماً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. ونظراً للوضعية الخاصة التي تتميز بها القدس؛ فقد طرحت مشكلتها حينما بدأت المباحثات بين إسرائيل ومصر، وهي المباحثات التي بدأت أولاً في المغرب في سبتمبر 1977 واتخذت طابعاً سرياً بين وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك "موشيه ديان" ومبعوث الرئيس السادات الخاص ونائب رئيس وزرائه "حسن التهامي"، والذي طلب من ديان تقديم "خطة بناءة تضع في اعتبارها حساسية الدول العربية تجاه المدينة المقدسة للمسلمين".
ووفقاً لما أورده "إلياهو بن إليسار" مدير عام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، وأول سفير لإسرائيل في مصر فيما بعد، في مذكراته، كانت إجابة "ديان" غاية في الأهمية، حيث قال: "لدينا حقوق مكتسبة في المناطق"، وذكر "الاستيطان في هضبة الجولان، والحائط الغربي والحي اليهودي (في البلدة القديمة)، والتجمعات السكانية الجديدة في الجنوب (أي قطاع غزة وسيناء)". ثم أضاف قائلاً: "يمكن أن يكون الحل في المدينة المقدسة سهلاً، ومرضياً لكل المعنيين بالأمر".
ويبدو أن موشيه ديان بتلك الإجابة قطع خطوة كبيرة نحو حسن التهامي، فهو من ناحية لم يصر على ضم شرق القدس إلى إسرائيل ولا على المطالبة بأن تكون الأحياء اليهودية الجديدة التي شيدت في شرق القدس بعد يونيو 1967 جزءاً من دولة إسرائيل، ولم يصر كذلك إلا على حفظ "حقوق إسرائيل الدينية في شرق المدينة".
ومن ناحية أخرى تجنب ديان الإشارة إلى "الحرم القدسي" كموقع مقدس لليهود. ومن ناحية ثالثة لم يذكر فقط إلا "الاستيطان الإسرائيلي في الحي اليهودي في القدس"، إضافة إلى المستوطنات في هضبة الجولان ورفح. وعليه فإن ديان لم يفرق بين الأحياء اليهودية التي أنشأتها إسرائيل في شرق القدس، وبين المستوطنات التي أقامتها في هضبة الجولان ومشارف سيناء، على الرغم من أن وضع المستوطنات وفقاً للقانون الإسرائيلي كان مختلفاً لأنها لم تضم إلى إسرائيل، على عكس ضم شرق القدس.
وكانت إجابات كهذه من قبل "ديان" كافية جداً من وجهة النظر المصرية لحضور الرئيس السادس إلى القدس بشكل علني، لأن الطريق إلى هذا الحدث التاريخي والسياسي الكبير بدأ بالحديث بين التهامي وديان. من هنا كان خطاب الرئيس السادات في الكنيست في اليوم التالي لزيارته للقدس في 21 نوفمبر 1977 حيث دعا إلى ضرورة عودة القدس الشرقية والأماكن الإسلامية المقدسة إلى السيادة العربية.
أما مناحيم بيجين رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، فقد تجنب في خطاب الرد على السادات ذكر المعطيات التي ذكرها ديان للتهامي في المغرب، واكتفى بمقولته: "إن الرئيس يعرف وعرف منا قبل قدومه إلى القدس أن لنا موقفاً يختلف عن موقفه فيما يتعلق بالحدود الدائمة بيننا وبين جيراننا".
وأكد بيجين على مبدأ أن كل شيء قابل للتفاوض قائلا: "لا تقولوا لا، لن تكون هناك أي مفاوضات على أي شيء، وها أنا اقترح بموافقة الغالبية العظمى في هذا البرلمان أن يكون كل شيء قابلاً للتفاوض".
وبهذا التصريح ضم بيجين القدس إلى طاولة المفاوضات لكن دون أن يلتزم بنتائجها. وبناء على تلك المعطيات تحركت المفاوضات بين الزعيمين في مسارين متوازيين، التزم بيجين بصوة قاطعة بالمسيرة ذاتها، بينما أعرب السادات عن التزامه القاطع بالنسبة للنتائج.
وكانت النتيجة أن اندلعت المواجهة الشخصية والموضوعية بين السادات وبيجين حين عرض الأخير موقف إسرائيل بصورة تختلف تماماً عما عرضه ديان على التهامي في المغرب؛ فقد استبعد بيجين شرق القدس تماماً من إطار الحكم الذاتي الذي عرضه على الفلسطينيين. والمعنى المترتب على ذلك أن مواطني المدينة من العرب لن يتمكنوا من المشاركة في انتخابات المجلس الإداري للحكم الذاتي المقترح في الضفة وغزة. وعلى العكس من ذلك اقترح بيجين وضع ترتيبات خاصة لإدارة الأماكن المقدسة في القدس وفقاً لخطة إسرائيلية منفصلة "تضمن حرية وصول كل أبناء الديانات إلى أماكنهم المقدسة".
"دولة إسلام" في القدس كـ "دولة الفاتيكان" في روما

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ

معاهدة السلام.. منعطف هام في تاريخ الصراع

وفي هذا الإطار تقدم بيجين باقتراح يتحدث فيه عن: تسليم الأماكن المقدسة لإدارة ذاتية من كل ديانة وممثليها، على أن تسلم الأماكن الإسلامية لإدارة ممثل واحد للمجلس الإداري الفلسطيني، وممثلين عن دول الحوار (لكل دولة ممثل). كما أبدى بيجين استعداده بأن تمثل الدول التي ليس لها حدود مع إسرائيل مثل السعودية والمغرب وإيران، إضافة إلى دول المواجهة في إدارة الأماكن المقدسة، وأشرك معه الرئيس الأمريكى جيمي كارتر في تلك الأفكار، وحينما سأله كارتر: هل تقصد بذلك منح وضع مشابه لوضع الفاتيكان؟ أجاب بيجين قائلاً: "سندرس كل الاحتمالات ولم نتخذ القرار بعد".
مغزى ذلك أن بيجين فتح ثغرة لتمثيل سياسي غير إسرائيلي في القدس، إضافة إلى التمثيل الإسرائيلي؛ فهو أبدى استعداده لأن يمنح ممثلين سياسيين للدول العربية وضعاً غير شكلي في الجهة التي ستدير الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، مع منح ممثلي الحكم الذاتي الفلسطيني وضعاً مماثلاً، لكن شريطة أن يكون هذا التمثيل وذاك تمثيلاً محدوداً من الناحية العملية، وفى وضع أدنى من وضع إسرائيل.
وفوق هذا، فإن عدم رفض بيجين القاطع لنموذج الفاتيكان في حديثه مع كارتر كان له مغزاه السياسي البعيد المدى لو طبق، وذلك لسببين، أولهما: أن إيطاليا اعترفت في عام 1929 بسيادة البابا على الفاتيكان في المجال الدولي، بينما التزم البابا في المقابل بالحياد في الصراعات الدولية. ولدى مقارنة نموذج الفاتيكان مع القدس نجد أن السيادة على الأماكن المقدسة ستكون مستقلة، ووضعها سيكون مختلفاً عن الحكم الذاتي كما طرحه بيجين؛ فالحكم الذاتي لا يعني الاستقلالية في المجال الدولي. وثانيهما: أن المواطنة في دولة الفاتيكان مرتبطة بالمنصب، بمعنى أنها تكتسب بحكم وظيفة الشخص في الفاتيكان ولا تمنح له شخصياً. وتطبيق نموذج العلاقات بين إيطاليا والفاتيكان معناه أن توجد بالضرورة في قلب المدينة القديمة (البلدة القديمة) مواطنة مستقلة.
والمعنى المتحصل من ذلك أن نقل نموذج الفاتيكان إلى القدس يتطلب إبعاد السيادة الإسرائيلية ومواطنتها عن الأماكن الإسلامية في القدس، ومنح المناطق الإسلامية في المدينة وضعاً أعلى من الوضع الذي يمنحه بيجين في مشروعه لباقي مناطق الـ 1967.
وقد عكس بيجين بطرحه لهذه الأفكار قدراً كبيراً من البرجماتية في بداية المفاوضات. وعزت بعض المصادر الإسرائيلية ذلك لأمرين، أولهما: لكي يضمن موافقة العرب والمسلمين على ضم شرق المدينة إلى غربها، وعلى منح الحكم الذاتي لمواطني الضفة الغربية وفقاً للمعايير التي وضعها لها. وثانيهما: أنه كان واقعاً تحت تأثير أو انطباعات رحلة السادات إلى القدس.
ولهذا يلاحظ أنه في بداية المفاوضات التي استمرت تسعة أشهر قبل انعقاد مؤتمر كامب ديفيد (الفترة بين زيارة السادات للقدس في نوفمبر 1977 وتاريخ انعقاد مؤتمر كامب ديفيد في سبتمبر 1978) كان بيجين مستعداً للتفكير في إخراج "الحرم القدسي" من إطار السيادة الإسرائيلية وإقامة "دولة الإسلام" في قلب البلدة القديمة في القدس مثل "دولة الفاتيكان" في إيطاليا، لكن ما أن بدأت أعمال مؤتمر كامب ديفيد حتى تغير الموقف تماماً.
كامب ديفيد.. سلام من دون القدس
بدأت أعمال مؤتمر كامب ديفيد في 6 سبتمبر 1978، وقد اتضح في اليوم التالي مباشرة لبدء تلك الأعمال أن منطلقات الطرفين كانت متعارضة، حيث طلب الرئيس السادات بأن تطبق على القدس مبادئ السيادة كما شرحها في خطابه أمام الكنيست، أي إعادة القدس الشرقية للسيادة العربية قبل حدود 4 يونيو 1967.
وتقدم السادات بخطة إلى المؤتمر لحل الصراع تنص على:
1- انسحاب إسرائيل من القدس إلى اتفاق الهدنة عام 1949 وفقاً لمبدأ عدم الاعتراف باحتلال أراضي عن طريق الحرب.
2- تعاد السيادة والإدارة العربية إلى "المنطقة العربية".
3- يشكل مجلس بلدي مشترك، يتكون من عدد متساوٍ من الأعضاء الفلسطينيين والإسرائيليين، يشرف على الإدارة ويتابع الخدمات التي تقدم للجماهير في أنحاء المدينة كالمواصلات العامة، وخدمات البريد والهاتف، والسياحة.
4- تلتزم الأطراف بضمان حرية العبادة، وحرية الحركة، والزيارات والانتقال إلى الأماكن المقدسة دون تفرقة أو تحيز.
وزاد السادات على ذلك طلب رفع أي علم عربي في القدس فوق الأماكن الإسلامية المقدسة.
ويفهم من تلك الخطة أن الرئيس السادات كان يعتقد بأن اقتسام السيادة في القدس والإبقاء على وحدتها الإدارية والبلدية من خلال نموذج إدارة مشتركة، يعد تسوية معقولة بين هدف إسرائيل بعدم تقسيم المدينة واعتبار شرقها جزءاً من عاصمة إسرائيل، وبين الأهداف العربية باستعادتها للسيادة العربية، واعتبارها جزءاً من المناطق الفلسطينية. أي أنه (السادات) اقترح وحدة فعلية وتقسيم شكلي. وكان هذا على حد قول بعض الإسرائيليين "اقتراحاً من سياسي برجماتي يعد الرمز والوضع القانوني في نظره أكثر أهمية".
أما بيجين، فأراد أن يبقي على القدس الشرقية تحت السيادة الإسرائيلية وفقاً للحدود الجديدة التي وضعتها إسرائيل في يونيو 1967. ورد على السادات قائلاً: "كتبت لي تقول يجب أن تكون القدس غير مقسمة تحت سيادتين، لكني أقول لك بكل صدق أني لم أتمكن من التقاط هذه الفكرة، ولا أستطيع أن أفهم فكرة مدينة واحدة تحت سيادتين أو سيادتين على مدينة واحدة".
كما أعاد بيجين رفضه وبحزم لضم القدس في إطار الحكم الذاتي، بل رفض حتى مناقشة هذا الأمر، وذلك في تعارض تام مع التزاماته السابقة بأن كل شيء قابل للتفاوض، ناهيك عن أنه رفض تماماً فكرة رفع "علم أخضر" فوق مساجد منطقة الحرم القدسي، حتى وإن كان مجرد علم لا يمثل دولة عربية معينة.
وإزاء هذين الموقفين تدخل الرئيس الأمريكي كارتر في 11 سبتمبر 1978 وطلب من الرئيس السادات ألا يناقش مسألة القدس الآن. ودل هذا الطلب على اتجاه الأمريكيين إلى استبعاد القدس من إطار المباحثات حتى لا يؤثر الخلاف حولها على بلورة التسوية في الجبهة المصرية. ولم يرد السادات على طلب كارتر، لكنه لم يعد يطرح هذه المسألة في المؤتمر، فقد كان ترتيب جدول أعماله من حيث تقديم القضايا الأهم وتأخير القضايا الأقل أهمية، مشابهاً لجدول أعمال الولايات المتحدة، ومن ثم فضل السادات الانتظار بشأن مسألة القدس، خاصة وأن الموضوعات الثنائية بين مصر وإسرائيل كانت أكثر أهمية بالنسبة له، فضلاً عن أن المعاهدة في النهاية هي معاهدة ثنائية مصرية – إسرائيلية، ومصر لا ترغب بأخذ دور مستقل فيما يتعلق بمستقبل القدس.

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
جيمي كارتر
وفي 14 سبتمبر 1978 عرضت مصر على الإدارة الإمريكية تقديم تنازل جديد في إطار إظهار النوايا الحسنة، حينما قال السادات لكارتر إنه مستعد لاستبعاد القدس من إطار التسوية، شريطة أن ترفع إسرائيل علم عربي على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، لكن كارتر طلب مهلة وفضل تأجيل المواجهة في مسألة القدس لدفع الاتفاق بين مصر وإسرائيل نحو الأمام. وفي اليوم الأخير لمؤتمر كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978 عادت القدس إلى المناقشات من جديد، وكانت هذه المرة مفاوضات بين واشنطن وتل أبيب، وليس بين القاهرة وتل أبيب، حيث حول كارتر الجدل حول القدس إلى جدل شخصي بينه وبين بيجين في محاولة للوصول إلى تفاهم لتسوية انتقالية من خلال تأجيل حسم الوضع الدائم في القدس.
وعن تلك النقطة بالذات تذكر بعض المعطيات الإسرائيلية أن كارتر نجح في إغضاب بيجين لدرجة أن الأخير تعنت تماماً في موقفه وهدد أثناء غضبه بالانسحاب من المؤتمر.
وإزاء الأزمة الحادة التي أحدثها بيجين لم يتبق أمام الأمريكيين من خيار سوى إرضاء مصر. لذلك صاغت الإدارة الأمريكية رسالة للرئيس السادات مفادها أن واشنطن تعتبر شرق القدس منطقة محتلة، بمعنى أنها تؤيد المطالب المصرية من إسرائيل بخصوص الحكم الذاتي ومستقبل شرق القدس.
وأدى هذا الموقف "الحازم" من الولايات المتحدة إلى إغضاب إسرائيل مرة أخرى، فهدد مندوبوها بالانسحاب، لكن بعد مناقشات وضغط نفسي مارسته واشنطن على الطرفين تم التوصل إلى تسوية الموقف، حيث تم الاتفاق على أن يرسل كارتر لبيجين والسادات خطاباً عاماً يوضح فيه موقفه من القدس، على أن يذكر كل من السادات وبيجين مواقفهما المختلفة من القضية ذاتها في رسالة من كل منهما رداً على رسالة الرئيس الأمريكي.
وفي هذا السياق اعتمدت صياغة رسالة كارتر على أقوال مندوبي الولايات المتحدة في الأمم المتحدة السفيران "جولد برج"، و"جوست"، وذلك أثناء المناقشات التي جرت في الجمعية العامة في منتصف يوليو 1967 وأول يوليو 1969. وكانت تلك الأقوال تتأسس على أن الولايات المتحدة تعتبر الجزء الذي تحتفظ به إسرائيل من القدس منذ حرب 1967 هو منطقة محتلة، كباقي المناطق التي تحتلها إسرائيل، وبالتالي فإن قواعد القانون الدولي التي تحدد المسموحات والمحظورات في الاحتلال تنطبق عليها، وعليه فليس من حق المحتل أبدا أن يحدث تغييرات قانونية أو إدارية غير تلك الضرورية التي يتطلبها الوضع من أجل المصلحة الأمنية، كما يحظر أيضاً على المحتل مصادرة أراضٍ خاصة أو هدمها، وأي إجراءات من هذا النوع تقوم بها إسرائيل تعتبر مرفوضة كونها ذات طبيعة مؤقتة ولا تقبلها كإجراءات مؤثرة على الوضع النهائي للقدس.
أما خطاب بيجين الذي رد به على رسالة كارتر فقد كان موجزاً وقاطعاً، وهو تفرد إسرائيل بالسيادة على شرق القدس. واتسم هذا الخطاب بتعنت الصياغة والأسلوب الجاف، الذي يهدف به بيجين تجاوز الجدال وتأجيله. وعلى العكس من ذلك كان خطاب السادات أكثر تفصيلاً إذ تضمن موقفه المبدئي الذي أعلنه في الكنيست، وتضمن أيضاً الطريقة التي ترى مصر تطبيقها لتقسيم السيادة على القدس دون المساس بوحدتها العملية.
وهكذا وقعت اتفاقية "السلام" بين مصر وإسرائيل، ولم يحل عدم الحسم في قضية القدس دون توقيعها. واعتبر السادات أن استمرار مناقشات وضع شرق القدس في التسوية الانتقالية (الحكم الذاتي)، والتسوية الدائمة (مسألة السيادة) من خلال تبادل هذه الخطابات يعد إنجازاً يتعين عدم التقليل من أهميته، إذ لم ينجح بيجين في رفع هذا الموضوع عن طاولة المفاوضات، بل أفضى الأمر في النهاية إلى "خلاف حاد" بين بيجين وكارتر حول مسألة القدس.
مفاوضات الحكم الذاتي.. حوار القدس بلغتين
بدأت المفاوضات الرسمية بين مصر وإسرائيل حول تطبيق الحكم الذاتي الفلسطيني في مايو 1979، وفيها ظهرت من جديد الخلافات حول مسألة هل تدرج شرق القدس ضمن مناطق الحكم الذاتي كما تطالب مصر، أم تظل خارج إطار المفاوضات كما تطالب إسرائيل؟.
فمصر لم تعتبر شرق القدس جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل، بل هي جزء من الضفة الغربية، ولهذا كانت ترى ضرورة أن يتمكن مواطنو القدس من استخدام كافة حقوقهم السياسية والقومية في إطار تسويات الحكم الذاتي التي ستطبق فيها.
وحددت أسس هذا الموقف المصري وصدقت عليه اللجنة الوزارية لشئون الحكم الذاتي في 10 مايو 1979، أي بعد شهرين من دخول اتفاق كامب ديفيد إلى حيز التنفيذ، في بيان جاء فيه: (الحكم الذاتي الشامل ينطبق على كل الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967. بمعنى أنه ينطبق على الضفة الغربية بما فيها القدس، وعلى قطاع غزة).
وفي 29 يناير 1980 تبلور اقتراح مصري لنموذج هذا الحكم الذاتي، وتضمن هذا الاقتراح بشأن القدس، أولا: اشتراك سكان شرق المدينة في انتخابات مجلس سلطة الحكم الذاتي. ثانيا: توضع في القدس مقار مؤسسات الحكم الذاتي، وتكون القدس في هذا الاتفاق عاصمة للحكم الذاتي الفلسطيني.
وكما كان متوقعاً، وقفت الولايات المتحدة تجاه هذه المسألة قريباً من الموقف المصري، وتجلى ذلك أيضاً في اتصالات الإدارة الأمريكية بالأردن ضمن محاولات الأولى إغراء عمًان باللحاق بعربة كامب ديفيد في أكتوبر 1978، لذلك ردت كتابة على عدة أسئلة طرحتها الأردن في هذا الشأن، مؤكدة على أنها تؤيد الموقف المصري الذي يسمح لمواطني شرق القدس بالاشتراك في انتخابات الحكم الذاتي ونشاطاته، حتى إذا لم يطبق الحكم الذاتي على المدينة في الفترة الانتقالية.
ولم يتأخر الموقف الإسرائيلي كثيراً حيث رد بيجين على موقف واشنطن بأن أصدر تعليماته بنقل مكتبه إلى شرق القدس (قرار لم ينفذ) وإقامة عدة مستوطنات فيها.
ومرة ثانية لم تتخذ واشنطن موقفاً حازماً إزاء ذلك، الأمر الذي دفع الرئيس السادات إلى رفض تكرار زيارة القدس.
ومنذ تلك اللحظة عملت الإدارة المصرية في اتجاهين:
الأول: حاول فيه نائب الرئيس المصري آنذاك "حسني مبارك" إقناع السفير الإسرائيلي بالقاهرة إلياهو بن أليسار بتقديم تنازل رمزي للعرب. ففي مارس 1980 حاول مبارك إقناع السفير بأن مصر وإسرائيل يمكن أن تحصلا على تأييد السعودية ودعم الجماهير الإسلامية في الدول غير العربية، مقابل ثمن رمزي هو رفع علم عربي (ذكر مبارك العلم المصري)، كما حاول أن يوضح له أهمية أن تجتاز مصر للعزلة العربية التي فرضت عليها بعد التسوية مع إسرائيل.
وفي 8 أغسطس 1980 طرح مبارك الأمر ثانية على بن إليسار لكنه جوبه أيضاً بالرفض.
ويعلق الأخير في مذكراته على هذا الأمر قائلاً: "ما عرضته مصر على أنه قطعة قماش تغطي عورة السلام المنفرد مع إسرائيل، اعتبرته إسرائيل رمزاً لسيادة أجنبية على المدينة كلها وليس على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس وحسب... إن مزاعم نائب الرئيس المصري البرجماتية تتناقض مع سياسة الرموز التي تستخدمها إسرائيل كثيراً في سياستها الداخلية والخارجية، فالعلم رمز، والرمز له دور نفسي هام في خلق الوعي، فليس الفعل هو الذي يخلق الواقع، وإنما الوعي هو الذي يحدده".

الاتجاه الثاني: كان من خلال الولايات المتحدة، حيث ألح السادات في إبريل 1980 على الرئيس الأمريكي كارتر بأن يتدخل. وفي هذا السياق أيد كارتر الموقف المصري، وحاول إقناع بيجين قائلا له: "إسرائيل تسمح لمواطني شرق القدس بالتصويت في البرلمان الأردني ولا ترى في ذلك مساساً بالسيادة الإسرائيلية، فلماذا لا تسمحون لهم بالتصويت ضمن ترتيبات الحكم الذاتي".
لكن بيجين لم يقتنع بهذا التبرير، بل إنه استبعد أن تمكن إسرائيل مواطني شرق القدس مستقبلاً من الاستمرار في التصويت للبرلمان الأردني، بل ورفض بيجين أيضاً اقتراح كارتر بتمكين شرق القدس من التصويت في الانتخابات من خلال البريد كما يصوت مواطنو الولايات المتحدة المقيمون في الخارج في انتخابات الرئاسة.
وفي هذا الإطار يذكر المؤلف الإسرائيلي "مناحم كلاين" في كتابه (حمائم في سماء القدس) أن "بيجين كان يرى أن الانتخابات نفسها لا تقل عن إعادة تقسيم المدينة، واعتبر أن انتخابات الحكم الذاتي في القدس بمثابة خطوة تدخل الحكم الذاتي إلى عاصمة إسرائيل".
وبعد فشل محاولات كارتر مع بيجين تحولت المناقشات إلى الأمم المتحدة، بعد أن اغتالت "الحركة السرية اليهودية" رؤساء مدن نابلس ورام الله والبيرة، وبعد أن نصبت كمائن لحافلات عربية، واعتزمت تفجير المقدسات الإسلامية في القدس"؛ فاتخذ مجلس الأمن في يونيو 1980 قراراً بإدانة إسرائيل، واتخذ القرار دون أن يصطدم بالفيتو الأمريكي، وضم القار شرق القدس إلى المناطق المحتلة التي يجب أن تنسحب منها إسرائيل.
ورداً على هذا قرار مجلس الأمن السابق، قرر بيجين مرة أخرى نقل مكتبه إلى شرق القدس، وصوًت لصالح قرار اتخذه الكنيست يوم 30 يوليو 1980 تقدم به عضو الكنيست اليميني "جؤلا كوهين" ويقضي بضم شرق القدس إلى إسرائيل.
ودفع هذا القرار مصر إلى إعلان وقف محادثات الحكم الذاتي، لأنها أدركت عدم قيمة العملية كلها في ظل هذا الوضع. ومنذ هذه اللحظة لم يبقى بين مصر وإسرائيل سوى المساومات الطويلة حول مدينة "طابا"، وانتهى التفاوض المصري من أجل الفلسطينيين أو باسمهم، لينحصر بعد ذلك تقريباً في التوسط بينهم وبين إسرائيل سواءً حول القدس أو غيرها.
*باحث متخصص في الشئون الفلسطينية.









آخر مواضيعي

0 أداة أمن لجهازك ضد المتلصصين
0 اكتشاف يغني عن البلوتوث
0 متلازمة المرفق.. اعتلال طبي بسبب الاستخدام المتواصل للجوال
0 هندسة التأثير
0 مقالات في تنظيم الوقت ، فن التواصل...
0 مقالات في فن التواصل
0 مقالات في تربية الأطفال
0 مقالات في النجاح
0 مقالات في الابداع
0 لنتعلم القراءة


الزبير
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية الزبير

تاريخ التسجيل: 11 - 12 - 2007
المشاركات: 3,552

الزبير غير متواجد حالياً

نشاط [ الزبير ]
معدل تقييم المستوى: 558
افتراضي
قديم 18-05-2009, 17:36 المشاركة 2   

مادام هناك فرقة وتشتت في المواقف الفلسطينية لن يكون هناك حل

اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا

**وفية دفاتر**
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية **وفية دفاتر**

تاريخ التسجيل: 5 - 4 - 2009
السكن: demnate
المشاركات: 2,342

**وفية دفاتر** غير متواجد حالياً

نشاط [ **وفية دفاتر** ]
معدل تقييم المستوى: 422
افتراضي
قديم 18-05-2009, 20:03 المشاركة 3   

اكييييد الوحدة الفلسطينية هي الحل الامثل للتسوية
بوركت اخي ناصر القضايا العادلة بدون منازع

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
1ـ3, ملف, التسوية, القدس, حاضر, غائب, ومسيرة

« كان 2009.. فلسطين " إقليم" والشذوذ أصبح نضالا | فلسطينيون لفتح وحماس: توحدوا قبل ضياع القدس »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قطاع التعليم..تفتيش غائب ومصالح معطلـة ahmida دفاتر أخبار ومستجدات التربية الوطنية و التكوين المهني 0 06-03-2009 07:06
قطاع التعليم..تفتيش غائب ومصالح معطلـة صخرة سيزيف دفتر مشاكل وقضايا إصلاح التعليم بالمغرب 2 04-03-2009 13:01
قطاع التعليم..تفتيش غائب ومصالح معطلـة action دفاتر أخبار ومستجدات التربية الوطنية و التكوين المهني 0 27-02-2009 20:03
حكاية أم ياسر أم علاء دفاتر الإبداعات الأدبية 27 04-02-2009 18:45


الساعة الآن 21:52


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة