منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية - عرض مشاركة واحدة - نصائح و وصايا العلماء لطلبة العلم
عرض مشاركة واحدة

طارق دامي تكنولوجيا
:: دفاتري فعال ::

الصورة الرمزية طارق دامي تكنولوجيا

تاريخ التسجيل: 10 - 6 - 2011
السكن: المغرب/ الدار البيضاء
المشاركات: 682

طارق دامي تكنولوجيا غير متواجد حالياً

نشاط [ طارق دامي تكنولوجيا ]
معدل تقييم المستوى: 227
افتراضي
قديم 26-05-2015, 19:56 المشاركة 28   


حفظ العلم.
اعلم أن المتعلم يفتقر إلى دوام الدراسة، ومن الغلط الانهماك في الإعادة ليلًا ونهار؛ فإنه لا يلبث صاحب هذه الحال إلا أيامًا، ثم يفتر أو يمرض.

و قد روينا أن الطبيب دخل على أبي بكر بين الأنباري في مرض موته، فنظر إلى ما به، و قال: قد كنت تفعل شيئًا لا يفعله أحد! ثم خرج فقال: ما يجيء منه شيء، فقيل له: ما الذي كنت تفعل؟
قال: كنت أعيد كل أسبوع عشرة آلاف ورقة؟

ومن الغلط تحميل القلب حفظ الكثير أو الحفظ من فنون شتى، فإن القلب جارحة من الجوارح، وكما أن من الناس من يحمل المائة رطل، ومنهم من يعجز عن عشرين رطلًا، فكذلك القلوب.
فيأخذ الإنسان على قدر قوته ودونها، فإنه إذا استنفدها في وقتٍ، ضاعت منها أوقات: كما أن الشره يأكل فضل لقيماتٍ، فيكون سببًا إلى منع أكلاتٍ!
والصواب أن يأخذ قدر ما يطيق، و يعيده في وقتين من النهار والليل، و يرفه القوى في بقية الزمان.
والدوام أصل عظيم
فكم ممن ترك الاستذكار بعد الحفظ، فضاع زمن طويل في استرجاع محفوظ قد نسي.

وللحفظ أوقات من العمر، فأفضلها الصبا، وما يقاربه من أوقات الزمان، وأفضلها عادة الأسحار، وأنصاف النهار، والغدوات خير من العشيات، وأوقات الجوع خير من أوقات الشبع.

و لا يحمد الحفظ بحضرة خضرة، وعلى شاطئ نهر؛ لأن ذلك يلهي، والأماكن العالية للحفظ خير من السوافل.

والخلوة أصل. وجمع الهم أصل الأصول، وترفيه النفس من الإعادة يومًا في الأسبوع: ليثبت المحفوظ، وتأخذ النفس قوة، كالبنيان يترك أيامًا حتى يستقر، ثم يبنى عليه.

وتقليل المحفوظ مع الدوام أصل عظيم. وألا يشرع في فن حتى يحكم ما قبله. ومن لم يجد نشاطًا للحفظ، فليتركه، فإن مكابرة النفس لا تصلح.

وإصلاح المزاج من الأصول العظيمة، فإن للمأكولات أثرًا في الحفظ: قال الزهري: ما أكلت خلًّا منذ عالجت الحفظ. و قيل لأبي حنيفة: بم يستعان على حفظ الفقه؟ قال: بجمع الهم.
وقال حماد بن سلمة: بقلة الغَمِّ.
وقال مكحول: من نظف ثوبه، قَلَّ هَمُّهُ، ومن طابت ريحه، زاد عقله، ومن جمع بينهما: زادت مروءته.

وأختار للمبتدئ في طلب العلم أن يدافع النكاح مهما أمكن، فإن أحمد بن حنبل لم يتزوج حتى تمت له أربعون سنة، وهذا لأجل جمع الهم، فإن غلب عليه الأمر، تزوج، و اجتهد في المدافعة بالفعل، لتتوفر القوة على إعادة العلم.
ثم لينظر ما يحفظ من العلم، فإن العمر عزيز، و العلم غزير، وإن أقوامًا يصرفون الزمان إلى حفظ ما غيره أولى منه، وإن كان كل العلوم حسنًا؛ ولكن الأولى تقديم الأهم والأفضل. وأفضل ما تشوغل به حفظ القرآن، ثم الفقه، وما بعد هذا بمنزلة تابع.
ومن رزق يقظة، دلته يقظته، فلم يحتج إلى دليل.
و من قصد وجه الله تعالى بالعلم، دله المقصود على الأحسن: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] .

صيد الخاطر/جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب