وزّعت وزارة التربية الوطنية مؤخرا على نوابها في مختلف مدن المغرب دليلا «لتقييم الأداء المهني لموظفي الوزارة»، قصد تعميمه على رجال التعليم ونسائه وإعدادهم لولوج مرحلة إدارية وتربوية جديدة يقدمها الواقفون خلفها باعتبارها «المفتاح السحري» لـ«تحديث» المنظومة التربوية ولعلاقة المربين بالإدارة والتلاميذ وأسرهم وإدخال المدرسة إلى العصر، بحكم أنها، حسب «الخبراء» الذين استعانت بهم الوزارة، تعيش خارجه.
إلا أن قراءة أولية للدليل الوزاري تبين بالملموس أن الأمر لا يتعلق بنص تنظيمي «حداثي» واضح الأسس والمعايير، بقدر ما يتعلق بـ«إنشاء» ركيك يغرق في العموميات المبهمة التي لا يمكنها أن تفيد على الإطلاق في أي عملية تقييم كيفما كان نوعها، وبالتالي فإن الدليل لا يقع خارج العصر فحسب، وإنما ينتمي بقوة إلى «العصور الوسطى»، أو إلى «ما قبل الحداثة» على أضعف تقدير.
لنقرأ، مثلا، بعض «مؤشرات» شبكة التقييم، ولتكن تلك الخاصة بمدراء المؤسسات التعليمية، والتي تبلغ واحدا وثلاثين مؤشرا (ينقّط كل منها على ثلاثة، بما مجموعه 93 نقطة ستصبح هي عماد الترقية بالنسبة إلى رجال التعليم). فمن ضمن هذه «المؤشرات» نجد ضمن خانة «الالتزام بقيم المهنة وأخلاقياتها» معايير للتنقيط من بينها «الحفاظ على ممتلكات المؤسسة» و«احترام وتعزيز القيم المحلية والوطنية والإنسانية» و«الحرص على سمعة المهنة» و«الحفاظ على أسرار المهنة»؛ كما نجد ضمن خانة «حل المشكلات وتشجيع المبادرة» معيارا تم التعبير عنه بهذه الصيغة: «التكيف مع إكراهات العمل»؛ وهي كلها معايير غريبة غير محددة منهجيا وغير قابلة للتطبيق عمليا، بل منها ما يبعث على الضحك حقا مثل معيار «الحفاظ على أسرار المهنة»: فأية أسرار تلك التي سنطالب رجال التعليم ونساءه بالحفاظ عليها؟ ما عدا إذا كان الأمر يتعلق بالاعتداءات التي باتوا عرضة يومية لها من قبل متمدرسين غير منضبطين وعديمي التربية، وهي أفعال ينبغي أن تظل «سرا» في الحقيقة لأنها تقدم صورة مرعبة عما انتهى إليه مرحوم كان اسمه قيد حياته «إصلاح التعليم».
جريدة المساء / العدد 758 الجمعة 27 فبراير 2009
العدد 758 الجمعه 27 فبراير 2009
العدد 758 الجمعه 27 فبراير 2009