منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية - عرض مشاركة واحدة - فضيحة: الوفا لمعلمة أمام تلامذتها بالعرائش : أنت جْوجْ دْيال الأصْفارْ
عرض مشاركة واحدة

lahssen10
:: دفاتري جديد ::

تاريخ التسجيل: 21 - 7 - 2012
المشاركات: 11

lahssen10 غير متواجد حالياً

نشاط [ lahssen10 ]
معدل تقييم المستوى: 0
نقاش حول نفس الموضوع
قديم 15-03-2013, 18:39 المشاركة 14   

وإذا طلبت إلى المدرس أن يكون مؤدبا ، فلا يقصر جهده على صب العلم في رأس تلميذه ،وإنما يربيه ويثقف عقله ويقوم نفسه ، ويهيئه للحياة العملية من جهة ،وللرقي العقلي من جهة أخرى ، فأول ما يجب عليك لهذا المؤدب أن تتق به ،وتطمئن إليه . فإن لم تفعل ذلك وأبيت إلا أن تندس بين المدرس وتلميذه ،وتشعره في كل لحظة بأنك وراءه تقيد أنفاسه لأفسدت عليه رأيه وأصبح ينظر إليك على انك حاكم مسيطر تدفع له أجرا وتتقاضاه عملا .
وأفسدت عليه رأيه في التلميذ ، فلم ينظر إليه على أنه أمانة أؤتمن عليها ، ووديعة كلف بحمايتها ،وفرد من أفراد الشعب قد كلف بتربيته وتنميته وتعهده بالرعاية والعناية . وإنما ينظر إليه على أنه مادة للعمل الذي يعيش منه ،وموضوع للنشاط الذي يكسب منه القوت ،فيعامله المعاملة الجامدة لا معاملة الكائن الحي ... ويصبح المدرس آلة ون الآلات وأداة من الأدوات في هذا المصنع العقيم السخيف لذي نسميه المدرسة ، والذي تصنع فيه الدولة الأبناء على مثال واحد ، وصوغهم على صورة واحدة ، وتخرجهم بعد ذلك أفواجا كما يخرج المصنع ما يخرجه من المصنوعات .
نعم تصبح المدرس أداة ، وتصبح المدرسة مصنعا ، ويصبح التلاميذ مادة ، ويفقد التعليم والتربية أخص ما يحتاجان إليه من المقومات وهو الحياة والحب والنشاط والطموح .
وبعض هذا يكفي ليفقد المدرس ثقته بنفسه ، وحبه لمهنته ، وإيمانه بكرامة هذه المهنة ... وإذن فحسبه أن يكسب قوته من هذا المصدر. قد فقد حبه للتلميذ فهو لا يحفل به ، وفقد نصحه للرئيس فهو لا يطمئن إليه ، وفقد ثقته بنفسه فهو لا يعتد بكرامته . وغنما يكتفي من الحياة بالحياة ، لا يطمح إلى المثل الأعلى لنفسه ولا لتلميذه ولا لامته . ومتى رأيت آلة من الآلات تطمح إلى المثل الأعلى أو تفكر فيه ؟................
والواقع أن الدروس التي تقدم في المدرسة التي تستحق هذا الاسم يجب أن تكون إرشادا لا تلقينا ودفعا إلى استكشاف الحقائق واستنباطها لا فرضا لهذه الحقائق على عقول التلاميذ . ولن يستطيع المدرس أن يرشد التلميذ ، وينمي فيه ملكة البحث والحاجة على الاستطلاع ، ويقوم ما يعرض له من الخطأ في كل هذا إذا كان مضطرا إلى أن يعد التلميذ للنجاح في الامتحان ، فأنت لا تستطيع أن تكلف الأستاذ أمرين متناقضين هما أن يعد أداة تؤدي الامتحان وتنجح فيه ويعد لك إنسانا حرا مفكرا يبحث ويستكشف ويدرس ويستكشف ويستنبط ويكون لنفسه رأيا فيما حوله من الأشياء .
لست أدري أيشعر الناس وتشعر الوزارة نفسها بما أشعر به وأجد في الشعور به ألما ، وهو أن التلاميذ لا يعرضون وحدهم عن القراءة وإنما يشاركهم المدرسون في هذا الإعراض ، ولعلي لا أخطئ إذا قدرت أن إعراض التلاميذ عن القراءة ربما كان نتيجة لإعراض المدرسين عنها . فالمدرسون لا يقرؤون ، هذه حقيقة ثابتة من إضاعة الوقت أن تتكلف إقامة الدليل عليها .
حياة المدرسين مظلمة قاتمة قوامها الذل والحرق والشعور بأنهم قد حرموا اشد الأشياء اتصالا بمهنتهم وهو الثقة بهم والكرامة في نفوسهم وفي نفوس الذين يشرقون عليهم من الرؤساء . كل هذا يصد المدرس عن القراءة ويزهده عن العلم ويضطره إلى هذه الحياة الجامدة التي يحياها .
وكثيرا ما كنت أضيق باختلاء المعلمين إلى القهوات والأندية وإضاعتهم الوقت في هذه الأحاديث الفارغة عن الدرجات والمرتبات وعن المفتشين وكبار الموظفين ، ولكني مضطر بعد أن داخلتهم وبلوت أمورهم إلى أن ارحمهم واعتذر عنهم وألوم الدولة التي تضطرهم إلى هذا الجمود .
ومها يكن اللوم في ذلك فالمحقق هم أن المدرسين لا يقرؤون ، ومن اجل ذلك لا يقفون عند ما حصلوه في المدارس حين كانوا طلابا فحسب ، بل ينسون أكثر ويقفون عند المناهج والبرامج التي يكلفون بتعليمها في المدارس ، ويرددونها إذا أمسوا حتى يصبحون مناهج وبرامج تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وتذهب إلى المدارس وجه النهار والى الأندية والقهوات في الليل . فكيف تريد من المدرس الذي لا يقرأ أن يدفع التلميذ إلى القراءة ويرغبه فيها ويزينها في قلبه .
أما الآن فحسبي أن توافقني على أن من أوجب الواجبات أن نبرئ المدرسة من الركود وان نردها إلى الحياة ، ولا سبيل إلى ذلك إلا إذا هيأنا المدرس والتلميذ لتجديد أنفسهما .
طه حسين : "مستقبل الثقافة في مصر"
ص 170 إلى ص171

ص210 إلى ص 215 بتصرف