منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية - عرض مشاركة واحدة - مشكلات تدريس النحو العربي وعلاجها
عرض مشاركة واحدة

abo fatima
:: مراقب عام ::

الصورة الرمزية abo fatima

تاريخ التسجيل: 7 - 1 - 2013
المشاركات: 6,890

abo fatima غير متواجد حالياً

نشاط [ abo fatima ]
معدل تقييم المستوى: 850
افتراضي
قديم 30-03-2013, 21:41 المشاركة 2   

المنهج:
قلنا في بداية هذا البحث: إن الحلول التي نطرحها عائدةٌ جذورُها إلى التراث العربي الإسلامي، ونستمر في رصْد الخط العريض للمنهج عند ابن خلدون؛ إذ يقول: "وتعلم مما قرَّرناه في هذا الباب، أن حصول مَلكة اللسان العربي، إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب، حتى يَرتسم في خياله المنوال الذي نسَجوا عليه تراكيبهم، فيَنسج هو عليه، ويَتنزَّل بذلك منزلة من نشَأ معهم وخالَط عباراتهم في كلامهم، حتى حصَلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم، والله مقدِّر الأمور"[9].
ويقول قبل ذلك في فصلٍ بعنوان "في تعلُّم اللسان المُضَري":
"ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة ويَروم تحصيلها، أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن والحديث، وكلام السلف، ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم، وكلمات المُولَّدين أيضًا في سائر فنونهم، حتى يتنزَّل - لكثرة حِفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور - منزلةَ من نشَأ بينهم، ولَقِن العبارة عن المقاصد منهم، ثم يتصرَّف بعد ذلك في التعبير عما في ضميره على حسب عباراتهم، وتأليف كلماتهم، وما وعاه وحَفِظه من أساليبهم، وترتيب ألفاظهم، فتحصُل له هذه الملكة بهذا الحفظ والاستعمال، ويَزداد بكثرتها رسوخًا وقوة، ويحتاج مع ذلك إلى سلامة الطبع والتفهُّم الحسَن لمنازع العرب وأساليبهم في التراكيب، ومراعاة التطبيق بينها وبين مُقتضيات الأحوال، والذوق يَشهد بذلك، وهو ينشأ ما بين هذه المَلكة والطبع السليم فيهما كما نذكر بعدُ.
وعلى قدر المحفوظ وكثرة الاستعمال، تكون جودة المقول (المؤلف) نظمًا ونثرًا، ومن حصَل على هذه المَلكات، فقد حصل على لغة مُضَر، وهو الناقد البصير بالبلاغة فيها، وهكذا ينبغي أن يكون تعلُّمها، والله يهدي من يشاء"[10].
فابن خلدون في مقدمته يُفرِّق بين "صناعة اللسان" وبين "تحصيل الملكة"؛ أي: بين "قواعد اللغة"، وبين إتقان العربية نطقًا وكتابة، ومن هنا فهو مُهتم بالمنهج الذي يحقِّق الهدف الأسمى، وهو إتقان العربية نطقًا وكتابة، ونضيف إلى ذلك و"فَهمًا"، (رغم أن إتقان إنشاء العربية السليمة يبين عن تحصيل مَلكة الفَهم).
وخلاصة منهجه:
الارتكاز على "معايشة" النصوص العربية السليمة، وحِفظها وممارسة قراءتها، وسماعها وكتابتها؛ كطريقة مُثلى في إتقان إنشائها (نطقًا وكتابة)، انطلاقًا من أن الممارسة التطبيقية والحفظ لهذه النصوص، يُزوِّد طالب العلم برصيدٍ من أساليب هذه اللغة، يُمكِّنه من التعبير السليم على منوالها.
ونحن - بطبيعة الحال - لن نأخذ طريقة ابن خلدون بحذافيرها، فهو أولاً لم يفصل أساليب ذلك، ثم هو يتحدث عن إتقان بمستوى عالٍ للغة، مما يتطلَّبه طلبة العلم الشرعي خاصة، وأرباب الأدب، وليس هذا مقصودنا في التعليم المدرسي، إنما مقصودنا إتقان التعبير السليم بأكبر قدرٍ ممكن.
وفي المنهج الذي نقترحه للدرس النحوي، نَعرض بعض الأساليب والوسائل:
1 - إلغاء كل ما ليس من شأنه إحداث التغييرات في طريقة كتابة أو لفظ التعبير، أو فَهمه؛ لتوفير الجُهد على الطالب، وتركيزه في حفظ وإدراك القواعد التي تؤثِّر في طريقة لفظ الكلمات والجمل وكتابتها[11].
2 - استحضار اللفتات النحوية في باقي الدروس العربية (الأدب، الإنشاء، التعبير)؛ حتى يُمارس الطالب تطبيق تلك القواعد التي تعلَّمها أثناء معايشة النصوص العربية.
3 - إعطاء الطلاب فُرَصًا أكبر للتحدُّث باللغة العربية وتصويبهم إن أخطؤوا، والإشارة إلى القواعد أثناء التحدث، ورَبْطها بتقويم اللسان؛ لأن التصويب أثناء الممارسة من أنجع الطرق التربوية التي تَزرع القواعد - أيًّا كانت - في سلوك الطالب.
4 - إعطاء الطلاب فرصة أكبرَ لكتابة نصوص عربية ذاتية، وتصويبهم وإرشادهم إلى مواطن الخطأ؛ ليكون ذلك خيرَ مُعينٍ على تجنُّب تلك الأخطاء في نصوص قادمة.
5 - ربْط القواعد والنصوص المصاحبة لها بالواقع الحياتي للطالب؛ حتى تظلَّ حاضرة في ذهنه، وتَظهر عليها صفة "الواقعية" لا "النظرية" المجردة، والتي أثبتَت التجربة أنها سرعان ما تتبخَّر إن لم يكن لها واقعٌ مَعيش.
6 - أن يكون معلِّم اللغة العربية قدوة حسنة في التزامه بالنطق العربي الفصيح؛ لتعويد الطلاب على سماع الأساليب النحوية العربية، وقد أثبتت علوم التربية الحديثة أن الاستماع - ومِن ثَمَّ المحاكاة - من أفضل أساليب ترسيخ إتقان اللغة إنشاءً.
7 - التركيز على "الاستقراء"، والبُعد قدر الإمكان عن النهج الفلسفي والمنطقي في تدريس القواعد النحوية؛ لأنها تَفتقر إلى تمرُّس الطالب بالملاحظة العامة (كما في الاستقراء)، فيفقده ذلك إحدى أهمِّ الوسائل المساعدة على فَهْم القاعدة، ومِن ثَمَّ تطبيقها.
8 - تناول نصوص مألوفة في تعبير الطلاب وحياتهم اليومية والعلمية، والابتعاد عن النصوص الصعبة والمليئة بالألفاظ الغريبة.
9 - ربْط القواعد النحوية بإفادتها في مجال المعنى، وبيان أثر التغيُّر النحوي على تغيُّر المعاني المتضمنة.
10 - أن تركِّز الاختبارات والامتحانات النهائية على قياس مدى تحقُّق "الأهداف" التي حدَّدناها للنحو، وهي إتقان التعبير العربي السليم نطقًا وكتابة: (كتابة في الامتحانات)، وعليها يكون الثِّقل الأساسي في العلامات، لا على استظهار القواعد، أو إتقان الإعراب، وهذا أمر - لو تَمَّ - سيؤدي إلى اهتمام أكبر - (من قِبَل الطلاب والمعلِّمين) - بتعلُّم ما يساعدهم على إتقان التعبير العربي، والاندفاع نحو التمرُّس بأساليب التعبير السليم، عن طريق قراءة النصوص وممارسة الكتابة بشكل أكبرَ، وهذا كله يصبُّ في صالح الأهداف الأساسية من تعلُّم النحو.