وصية ابن قدامة المقدسي
فكن أحدَ رجلين : إما مشغولاً بنفسك، وإما متفرغاً لغيرك بعد الفراغ من نفسك .
وإياك أن تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك، واشتعل بإصلاح باطنك وتطهيره من الصفات الذميمة، كالحرص، والحسد، والرياء، والعجب، قبل إصلاح ظاهرك،
فان لم تتفرغ من ذلك فلا تشتغل بفروض الكفايات، فان فى الخلق كثيراً يقومون بذلك،
فإن مهلك نفسه فى طلب صلاح غيره سفيه، ومثله مثل من دخلت العقارب تحت ثيابه و هو يذب الذباب عن غيره .
فإن تفرغت من نفسك وتطهيرها، وما أبعد ذلك ، فاشتغل بفروض الكفايات وراع التدريج فى ذلك .
فابتدأ بكتاب الله عز وجل، ثم بسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بعلوم القرآن : من التفسير، ومن ناسخ و منسوخ، ومحكم ومتشابه، إلى غير ذلك .و كذلك فى السنة
ثم اشتغل بالفروع، و أصول الفقه و هكذا بقية العلوم على ما يتسع العمر ويساعد فيه الوقت .
و لا تستغرق عمرك فى فن واحد منها طلباً للاستقصاء، فان العلم كثير، والعمر قصير، و هذه العلوم آلات يراد بها غيرها، و كل شىء يطلب لغيره فلا ينبغي أن ينسى فيه المطلوب .
منهاج القاصدين/ ابن قدامة المقدسي