....كتاب الهامبورغر.............
بقلم الاستاذ محمد مهداوي
دخلت المكتبة العمومية،وهي فسيحة،تزينها رفوف منظمة. على متنها كتب ،أغلبها قديمة ومهترئة،لم يتم تحريكها من مكانها منذ زمن بعيد، مما جعلها مسكنا خصبا للفئران والعناكب.تصفحت بعضها ،فوجدت معظمها مبتورا ،وقد تكون الصفحات الناقصة مؤثرة للقارئ المتمحص،وجدير بالذكر أن أغلب هذه الكتب مهداة من طرف محسنين أو جمعيات خيرية...لم يطل بي الوقت في التحليل والتعقيب،حملت كتابا ،دلفت نحو قاعة المطالعة،نظرت إلى صفحة الكتاب فرمقني الجاحظ بعينين جاحظتين ،فقرأت العنوان ... البيان والتبيين،حزنت حين تذكرت أن هذا الشخص مات شهيدا تحت أنقاض كتبه، ونحن لا يسعنا الوقت حتى لتصفح العناوين.لما اقتربت من قاعة المطالعة، تفاجأت حين وجدت الصالة خاوية على عروشها،أصابني الهلع والخوف فأردت الإنسحاب ،إلا أن أنفتي أرغمتني على البقاء...وقضاء وقت ممتع مع جاحظنا ،غير أنه لم تمر أكثر من عشر دقائق ،حتى أتتني قيمة المكتبة فأفزعتني بصوتها الخشن،خاصة وأنني كنت غارقا في موضوع المعنى والمبنى في باب من أبواب الجاحظ،قالت لي دون حياء...
معذرة ،أريد الذهاب لروض الأطفال ابني ينتظرني...أريد تفقده...فرصة أخرى...ونزعت الكتاب من بين يدي وغابت في ظلمة دهليز طويل، كأنها جنية مسكونة.بعد برهة يسيرة،انسحبت واعتذرت للجاحظ،ربما لم يتقبل اعتذاري،لكن وعدته وضربت له موعدا عبر النت لنكمل حوارنا الأدبي....ابتسم الجاحظ أو هكذا خيل لي ...لكن سمعته يقول مغمغما...ضاع العلم ...ضاع العلم...كنت قد اقتربت من باب الخروج حين رفعت رأسي فرمقت لوحة ذهبية جميلة كتب عليها....
((إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر )). مرة أخرى أجد نفسي محرجا لأدلي برأيي في الموضوع...انسحبت مطأطئ الرأس ، حشرت جثتي في شارع غاص بالمارة ، حيث الناس يلهثون جيئة وذهابا، تائهين ، ورائحة الهامبورغر تزكي الأنوف في محلات غاصة بعشاق الأكلات السريعة ، في طابور طويل ، ينتظرون دورهم لتسلم أكلة العم سام....رمقت بطونا منتفخة ...فقلت في نفسي:يا حبذا لو أن الأكل يوسع شيئا من عقولنا فتنتفخ هي كذلك...ابتسمت لأنني تخيلت عقولا ضخمة في مستوى البطون...ههههه ......هههههه....ههههه...