المؤمن الصادق في إيمانه يدرك خطورة المعصية وشناعتها وأنها جرأةٌ على مولاه، فإذا وقع فيها تحت ضعف بشري واقعها مواقعة ذليل خائف يتمنى ذلك اليوم الذي يفارق فيه الذنب ويتخلص من شؤم المعصية.
المؤمن يبغض المعصية ويُقبل على الطاعة، لكنه تأخذه في لحظةٍ من اللحظات حالة ضعف بشري، فيواقع المعصية أياً كانت، وما إن يفارقها حتى يلتهب فؤاده ندماً وحسرةً وخوفاً ووجلاً من الله تعالى، فيحتقر نفسه ويمقتها ثم يتجه إلى الله طارقاً بابه راجياً عفوه وغفرانه، فهذا وأمثاله ممن قال الله فيهم((( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلى الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)))
. ولقد صوّر ابن مسعود رضي الله عنه حال المؤمن مع المعصية تصويراً بليغاً دقيقاً فقال: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعدٌ تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ مرّ على أنفه فقال به بيده فطار).
أن للمعصية ظلمة يجدها العاصي في قلبه لا يبددها ويجلوها إلا التوبة إلى الله تعالى والتقرب إليه بالأعمال الصالحة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق وقوة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق". قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)). رواه الإمام أحمد.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "إني لأعصي الله تعالى فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي".
إن للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمها إلا الله، من حرمان للرزق، ووحشة يجدها العاصي بينه وبين الناس وبينه وبين الله، ومِن تعسّر الأمور عليه، وحرمان التوفيق والظلمة في القلب، وحرمان الطاعة، ونقص في العمر، ومحق للبركة، وأعز من ذلك كله نقص العلم
وكذا هوان العبد على ربه، وسقوطه من عينيه ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء. ووقوع العاصي في الذل والمهانة، لأن العز كله في طاعة الله. قال الحسن البصري رحمه الله: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين، إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه".
إياك ثم إياك يا عبدالله إن وقع منك شيء بالمجاهرة بالمعصية فبتّ وقد سترك الله، فتصبح تكشف ستر الله عليك، فهذا أيها الأحبة إثمه أعظم من إثم المعصية وخطره أكبر وعقابه أشد، قال صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي معافى إلاّ المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره الله ويصبح يكشف ستر الله عنه)) [رواه البخاري ومسلم].
اللهم استرنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض بفضلك ورحمتك ومنك يا ذا الجلال والاكرام