اتخذت قرارها و لن يمنعها احد ,سوف تبحث عن عمل لقد أصبحت الآن حرة بعد أن سجنت أبناءها بالمدرسة... سعادة من الحجم الكبير تحملها معها و تغادر المنزل,تحكم قبضتها على الورقة التي دونت فيها عناوين الشركات تجلس بكبرياء في سيارة الأجرة ,الجو جميل جدا والشارع نظيف و الناس كلهم في منتهى الأناقة .
نزلت من سيارة الأجرة و غاصت في الشارع و اختفت بين البنايات الشاهقة و عادت بعد ساعتين لنفس مكان نزولها حاملة معها رزمة فشل,ركبت سيارة أجرة متهالكة مكسوة بالصدأ مشبعة بكريه الروائح و استندت إلى المقعد المنهوش نهش الكلاب و تركت الدمع يقفز من عينيها بنشاط...تبا للحياة ...لم يعد لشهاداتها أية قيمة تقادمت كجسمها المترهل...سنواتها الماضية مرت بطيئة في المحن و سريعة في الفرح... عقد من الزمن أمضته في معتقل الزوجية تتجرع فيه كؤوس الندم على تنازلاتها التي قدمتها بالمجان لمعتقل حريتها و كرامتها و تكوينها العلمي الذي تبخر مع الكسكس الذي أعدته مئات المرات...اللعنة على التكنولوجيا التي تدخلت و أزاحت من طريقها الجاهلين بأسرارها...تنهدت بألم ...إحساس شديد بالحر..الشارع متسخ و النفايات في كل مكان... حشد عظيم من الناس في هجوم على أبواب الحافلات العمومية... ملابسهم بالية و أحذيتهم متهالكة...يتهيأ إليها أن عبق العرق المنبعث منهم يصلها و تحس بدوار شديد..
تصل إلى بيتها منهكة و يصل أولادها من المدرسة متعبين..ماذا سيأكلون ...تفتح الثلاجة و تحس بألم انهيار جدار العمل عليها..فكرة إعداد البيض غير ملائمة فأولادها يكرهونه ...ليتها أحضرت معها قليلا من النقانق ...
يصل زوجها بعد أن سبقه صوته المجلجل في الوصول... كعادته يسب أولاد الجيران الذين حولوا المبنى بالكرة إلى خراب ,يتوجه بعجلة إلى الحمام يتوضأ و يخبرها بإحضاره لجاره الحاج موسى و ابنه الأستاذ خليل فور انتهاء صلاة الجمعة لتناول كسكسها المشهور!!!!!!! .....