كسر الخاطر: كُلُّو في التقرير
يمكن أن نعلن، بدون خوف من الخطأ، بأن أحمد الميداوي، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، هو أكبر معارض في البلد، وربما هو الذي يملك الأسباب «المادية» للمعارضة .
أحمد الميداوي، وزير الداخلية الأسبق، الذي اشتهر بعبارته «هو هو وأنا أنا» في كناية، أو نكاية بالمرحوم ادريس البصري، أصدر تقريره باعتباره رئيس المجلس الأعلى للحسابات، «و كلو في التقرير».
الذين شاهدوا مسرحية دريد لحام، «التقرير»، يذكرون أنه يمثل شخصية مؤمنة وتحلم بالحق وبالجمال، شخصية تصدق كل ما يقال عن البلد. ولما ينتبه إلى أن هناك اختلالات، تثير ضحك المشاهدين، يعتبر أن الذي يقع حالة شاذة، ولابد من إخبار المسؤولين، الذين يؤمن بهم أيضا،بالذي يجري. وهو يردد عبارة «كُلو في التقرير» بكل إيمان، وبسذاجة من يعتقد بأن الحقائق التي كتبها ستجد صداها، وتتم معالجة الخطأ.
وزير الداخلية الأسبق أصبح بهذا التقرير أكبر معارض في البلد، لأنه ضمن تقريره كل اختلالات الشأن العام. أحمد الميداوي ليس بسذاجة دريد لحام في المسرحية، وإن كان «التقرير» ليس بعيدا عن تقريره.
المشهود به الآن هو أن التقرير لم يغفل أية وزارة أو أية مصلحة، لم يوردها في خانة المحاسبين. هناك الوزارات والجماعات والمصالح والأحزاب والأمم المتحدة، وحتى ....الرئيس ديال البلدية عندنا في المحمدية! وهناك أيضا القضاء والانتخابات والميزانية العامة.. الخ الخ الخ.
يضاف التقرير الى تقارير أخرى، منها على وجه الخصوص، التقارير التي تنجزها المفتشية العامة للمالية. والمثير حقا هو أن التقارير التي ننشرها، ويقرأها معنا المغاربة قلما تكون لها تبعات.
وقد سبق لأحد المسؤولين الكبار في الداخلية أن صرح للعبد الضعيف إلى ربه، أنه لو تم تطبيق القانون في حق الذين ثبتت مسؤوليتهم، لتم اعتقال 80 % من الجماعات في المغرب.! وهو ما يعني أنهم يعرفون، لكن لا يتحركون.
ومصيبة هذا البلد هو أن الذين يختلسون ويسرقون، يتم الإعلان عن خروقاتهم (نفهم لماذا يسمي المغاربة الخروق !)، ولكن لا يكون هناك حساب.
والمجلس الأعلى المفترض فيه أنه للحسابات، لا يليه في الغالب حساب. كما لو أنه، كلما علا المجلس، انخفض الحساب.
ويبدو الميداوي بالفعل كما لو أنه معارضة رمزية لما يقع، فلا يكثرت أحد به عندما يصرح على صفحاته بأن هناك «سوء تسيير»، وهي التسمية اللبقة للحديث عن نوع من اللصوصية تختفي وراء هوامش النص. وسيكون عليه أن يظل يعارض، بعد أن كان وزير أكبر وزارة وأخطرها، حتى «يبان الحق».
والميداوي، في تقديري، سبب كاف لوحده لكي يكون المغربي معارضا صباح مساء ويوم الأحد، لأن ما يرد في صفحاته كاف لكي يتأسس عشرون حزبا معارضا.
ومع ذلك مازالت الأجهزة المكلفة بالمتابعة تبحث عن التوازن بين ما يجب.
يجب التمترس في الوسط، يجب الدفاع عن الغلط، يجب الذي يجب،
يجب سقوط الأقنعة أولا، لأن ما نشاهده اليوم يستفحل غدا عندما لا نعالجه بما يجب.
في الواقع، فإن الله قد خلق الجنة والجحيم، والعقاب والجزاء، الماء والنار، لكن هناك بالفعل مؤسسات، وليست كلها مؤسسات الدولة دائما، التي فيها الجنة فقط:لا حساب ولا عقاب ولا جزاء، ويختلط الحابل بالنابل، والغشاش باللص، وقد يؤسسان حلفا مقدسا ضد العمل والنزاهة والعرق والحركة والحس المواطن السليم.
هناك لصوص كثر، أحيانا بلياقة القافزين على الحواجز، «والقافزين» فقط. وعندما تنظر بالفعل الى الذين «يأكلونها» باردة، تتساءل ما هي الحاجة الى الطاقة ؟ ولماذا يرتفع ثمن البترول!
عبد الحميد جماهري