هل في الجنة كتب يا أبي؟
ــــــــ
"...أذكر في طفولتي..في ذات حديث عابر لي مع والدي، وكان يحدثني عن الجنة ونعيمها للصادقين والأخيار والمؤمنين الأبرار، وعمَّا يوجد بها من ثواب وجزاء وجوائز للعبد المطيع..أنني سألتـُه ببراءَة شديدة ساعتـَها.. هذا السؤال الذي بهتَ له، وبدا عليه الارتباك للحظاتٍ، ولم يحرني جوابا شافيا على كل حال :
ـ ..وهل في الجنة كتبٌ يا أبي ؟!
(...) الكتاب لا يضيف إلى عمرك عمرا آخر فقط، كما تفعل الوسائط الحديثة (الفضائيات ـ الأقمار الاصطناعية ـ شبكة الأنترنت...)، وإنما يضيف إلى حياتك حيوات أخرى، وتجارب شتى، وخبرات رهيبة لأناس آخرين، ومؤلفين متميزين .هو يضيف ـ إذن ـ ليس إلى العمر فقط، وإنما إلى (الروح).. أنت مع الكتاب لا تلج إلى عوالم أخرى فحسب، وتجارب أخرى فقط، وإنما إلى أرواح أخرى . وهذه مسألة لا يتيحها إلا الكتاب.. إلا ديوان شعر ممتاز..ورواية رائعة..وكتاب فِكر نابـِه.. ونقد مبدع.. إلخ . وأظن أن المسافة بين ثراء الجسد.. ثراء المادة بشبكة المعلومات، وثورة المعارف، وصور الأحداث، لاتضاهي، ولاتماثِل، ولا تقارب حتى.. ثراءَ الروح بين دفتي كتاب .ومن هنا أراهن على أن الكتاب والقراءة لن يفقدا عرشهما في ظل هذه الوسائط الجديدة .. لأني أكاد أجزم أن التعريف الأمثل للإنسان.. لإنسانية الإنسان، ينعقد ـ أولَ ما ينعقد ـ على الكتاب.. وعلى القراءة (...)
ولذلك فالحرمان من الكتاب، أو البعد عن القراءة، هو ـ في جوهره ـ حرمانٌ للإنسان من إنسانيته، ومن رقيه وسموه وارتفاعه، وإبقاؤُه على الحد الحرج الذي يقترب من درجة الحيوان الجاهل العاري من المعرفة.. الملتصق، فقط، بغرائزه الأولى، ورغائبه البَدئيّة الغفل..(...) الحرمان من الكتاب.. حرمان للإنسان من إنسانيته، ومن جوهر وجوده، ومنتهى معناه. ولذلك يحرص الحكام الطغاة الديكتاتوريون، على إبقاء
شعوبهم، في أدنى درجات المعرفة . ويمثل الكتاب، عادة ً، بما يحويه من فكر ونور وعلم، عدوَّهم الأول...
ــــــــــ
مقتطف من مقال للشاعر المصري : ماجد يوسف .