من أين يأكل العرب؟ عبدلاوي لخلافة ربات البيوت فقدن الثقة بالمظاهرات وقررن التعامل مع الغلاء "أربع زيادات في الزيت والدقيق في أقل من ثلاثة أشهر دون رقيب، إن هذا لمنكر.."!! بهذه الكلمات البسيطة عبرت فاطمة، زوجة موظف بسيط بالعاصمة المغربية الرباط، عن معاناتها في تدبير معيشة أسرتها براتب زوجها الذي لا يتجاوز ألفي درهم شهريا. مشكلة فاطمة مع غلاء الأسعار وثبات الأجور، ليست حالة وحيدة، فمثلها حالات كثيرة تعبر عن احتقان اجتماعي بعد أن فشلت أي تظاهرات نظمتها القوى المعارضة في حل المشكلة، وبات على كل أسرة البحث عن أسلوب للتعامل مع الأزمة. إجراءات مؤقتة تنوعت الأساليب، كما كشفت مقابلات أجراها مراسل إسلام أون لاين مع ربات البيوت، فشريفة العلوي، ربة بيت من مدينة سلا، تفضل اختيار أيام محددة في الأسبوع للتسوق وتتحاشى يوم السبت والأحد من الأسبوع، وتقول: "الله يغلب البركة على الحركة، فالغلاء بلغ حدا لا يطاق، فمائة درهم لم تعد تكفي لقفة الأسبوع؛ ولذا أفضل الأيام الأولى من الأسبوع دون السبت والأحد". وتفسر شريفة سبب اختيارها لأيام معلومة من الأسبوع بأنه محاولة لتفادي ذروة الأسعار، حيث تكون عطلة الأسبوع فرصة للنساء العاملات والموظفات للتزود بما تحتاجه الأسرة. أما "فتيحة" من حي التقدم بالرباط، فتتبع "حمية خاصة" مع التسوق لاتقاء ارتفاع الأسعار، وتقتصر على الخضر الرخيصة الثمن لتحضير الوجبة الرئيسية، كما تستغني عن الفواكه الغالية وتكتفي بفاكهة البرتقال. تقول فتيحة: "من أجل تدبير أزمة غلاء السلع والمواد الغذائية، ألتجئ إلى بدائل معينة عند شراء الخضر والفواكه، فمثلا بالنسبة للطماطم، حين يرتفع ثمنها، أقوم باستعمال معلبات الطماطم الجاهزة لانخفاض سعرها وإمكانية استعمال القليل منها فقط، وعند التسوق أقتصر على بعض الخضر دون أخرى لتحضير الوجبة الرئيسية مثل البطاطس والجزر". ومن الإجراءات، التي تتخذها فتيحة أيضا، هو الاقتصاد عند الشراء، فبدلا من أن تشتري كيلوجراما من صنف واحد من الخضر أو الفواكه تشتري أقل من ذلك، وتدخر النقود لاقتناء مواد أخرى. الحياة ليست أكل فقط وتقلل حسناء موظفة بالقطاع الخاص من قيمة هذه الحلول قائلة: "الحياة ليست كلها أكل"، مشيرة إلى أنها لم تعد تكترث بالزيادات في الطعام؛ لأنها زيادات صارت إلى حد ما ليست بالكبيرة، لكن المشكلة في ثمن الكراء والمواصلات والكهرباء، فصاحب الكراء لا يقدر من أين نأتي بالمبلغ، والمواصلات في كل يوم هناك إضراب لأجل الزيادة في التسعيرة، أما فواتير الكهرباء والماء، فهي إن أمهلتنا شهورا قرصتنا في أخرى. هذا فضلا عن الحاجات الضرورية للبيت، كشراء أثاث، وفي هذه الحالة تقول حسناء: "ليس أمامي سوى طريقين، إما الشراء بالتقسيط أو اللجوء إلى أمكنة معلومة لبيع البالي (الأثاث المستعمل)". لكل مشكلة حل ومع أهمية التدبير والتقشف للتعايش مع مشكلة الغلاء، إلا أن الأمر يحتاج إلى حلول مكملة، وهذا ما لجأت إليه بعض ربات البيوت اللائي وجدن ضالتهن في المشروعات متناهية الصغر.. تقول سعيدة إحدى هؤلاء السيدات: "لو بقينا على أجرة زوجي، التي لا تتعدى ألف وخمسمائة درهم، لخرجنا نتسول في الطرقات؛ لذا بادرت إلى أخذ قرض صغير من الجمعيات التي تمنحها، وقمت بشراء خضر وأعشاب طبية لبيعها". وتضيف: "ما أقوم به قد يخفف علينا النفقات، خاصة في شراء ما نحتاجه كنساء أو لبناتنا دون علم الرجل". أما مليكة، فهي، بعد انتقالها من البادية (العروبية) إلى المدينة، حاولت تغيير كثير من سلوكياتها وتصوراتها للحياة خاصة بعد موجة الغلاء. تقول مليكة: "كانت مهمتنا في العروبية محددة في العناية بالبيت والأولاد والمساهمة في تربية الماشية، لكن بعد انتقالنا إلى المدينة تغيرت الأمور كثيرًا، وأصبحت مضطرة للمساهمة في المدخول؛ ولذا أحرص على القيام باكرًا وعجن رغائف الخبز وحملها إلى أحد المقاهي لإعداد الفطور للزبناء". وعما تلقاه من حرج في التعامل مع الرجال، تؤكد مليكة أنها وجدت تقديرا من الناس، خاصة لما علموا بأنها تعيل أسرة كثيرة الأفراد. وتضيف: "الحياة تفرض على الإنسان فعل أي شيء غير الأمور المحرمة، ليعيش كريما ولا يحتاج لغيره". تنسيقات لمحاربة الغلاء وكانت عدة جهات بالمغرب، تضم فاعلين حقوقيين وإعلاميين وسياسيين، قد نظموا احتجاجات على غلاء الأسعار وارتفاع ثمن المواد الاستهلاكية، وتعرضت تحركاتهم لنوع من التضييق من لدن السلطات الأمنية، كما حصل مع "انتفاضة صفرو" (وسط المغرب) و"بوعرفة" (جنوب المغرب). غير أن هذه التحركات لم تعد بالحيوية السابقة؛ وهو ما يرجع إلى تقاعس الكثيرين عن المشاركة في الاحتجاجات، وهو أمر يرجع -كما يعتقد البعض- إلى إيمانهم أن أغلب الفاعلين الحقوقيين والسياسيين ينظمون الاحتجاجات بهدف الارتزاق السياسي والمادي بالضغط بها لإحراج الحكومة والحصول على مزايا شخصية. وسواء صح هذا الاعتقاد أم لا، فإن ربات البيوت لم تعد في حاجة إلى سماعه، بل حطمن واقع الحال في انتظار تدخل الجهات المكلفة بمراقبة الأسعار بجدية وإعادة الأمور إلى نصابها. صحفي مغربي يمكنك التواصل معه عبر البريد الالكتروني لنطاق نماء
[email protected]