حضرة المفتش
أخبروه هذا الصباح أنه آت لزيارته، و مع شحوب قليل و حركات متوترة ، حائرة ، تحرك بين الطاولات يعيد ترتيبها، و يحاول إخفاء المطبخ الصغير في ذلك الركن القصي من الحجرة، فقنينة الغاز و الأواني القليلة التي يستعين بها من حين لآخر، تبدو نافرة و غير بيداغوجية حتى أنه بدأ يسلط هذا الوصف بحماقة على أشياء كثيرة! و باضطرابه ذاك ينهال بسرعة على عش عنكبوت في الخزانة طالما تسلى بالتفرج عليه حين يقرأ التلاميذ النصوص. و للتغلب على نظرات الصغار المتسائلة، كلف بعضهم بجمع الأزبال بسرعة ، و تنظيف الحجرة موجها تأنيبه الى الجميع على إهمالهم ، في حين اتجه هو بحدة إلى مقصه محاولا تشذيب بعض أوراق دروسه التي أصبحت تتآكل باستمرار دون أن ينتبه إلى أن قصاصاته كانت تترامى على الأرض تحت أنظار التلاميذ!!
في البداية تأكد من أشياء كثيرة، و تحرك أكثر من المعتاد مثيرا استغراب الصغار. لكن التوقع و الإنتظار الذي بدأ يمطط الزمن ، خلق فيه حدة أكبر ,و لحظات شروذ متواصلة.
قبيل الزوال سمع وقع خطوات بغل على المسلك الضيق المحاذي للحجرة، و إذ تحفزت حواسه كلها ، و انتقل في شبه ركض إلى الباب مستطلعا، فقد طالعه شخص المدير الذي بدا أكثر بدانة هذه المرة. وقد أخبره أن المفتش لم يتيسر له أن يقطع المسافة كلها ، فقرر لقاءه ، بعد الزوال ، في مكان اتفقوا عليه!!
انتقل الإثنان إلى جانب المطبخ الصغير، متحدثين عن الأحوال و الأشجان بألفة في انتظار أن يغلي إبريق الشاي.
بعد ساعة ، يجد نفسه يشاطر المدير ظهر البغل المتعب ممسكا بمحفظة مغبرة كبيرة، ليقطعا المسالك الوعرة في اتجاه السوق الأسبوعي. و هناك كان المفتش بقرب بائع السمك، تبدو عليه علامات الراحة و الشبع!
التقى الثلاثة ، و حاول هو بمكر أن يعرض تحاضير دروس قبل غيرها،و يستحث ذاكرته المتعبة في التحدث مع المفتش بأسلوب آخر..و في محاولته الإستعراضية-تلك للأوراق، يصعق فجأة بمنظر حشرة ميتة على صفحة إحدى أوراقه. و إذ رفع وجهه مصعوقا الى المفتش فقد كان هذا الأخير يتملى بهدوء منظر السمك المشوي!!
ملاحظة : للأسف مازالت هذه القصص حقيقية في تلك الأماكن الحزينة من بلادنا حيث التعليم مجرد مزحة.