الذبابة
تأبطت كتابا كنت قد بدأت قراءته، خرجت توا إلى حديقة تتوسط المدينة، فيها من الهدوء ما يجعلني ألتهم سطور كتابي دون أن يخدش فكري أي شيء قد يمنعني من ذلك ..
بمجرد ما ولجت الحديقة، توجهت نحو كرسي اعتدت الجلوس عليه، نفضت الغبار من فوقه ثم جلست.فترة قصيرة منحتها لعيني كي تجوب عبر أشجار الحديقة الباسقة ، وورودها الزاهية استمتاعا بجمال الطبيعة.. فتحت الكتاب باحثا عن الصفحة التي أوقفت فيها القراءة في المرة السابقة .. فجأة، سمعت صوتا استطعت تمييزه بسرعة [ز ز ز ز ز ] إنه صوت ذبابة، من أين أتت ؟ الفضاء نقي ،ليست هناك أزبال ! لقد اخترت هذا المكان بالضبط لنظافته ! استأنفت القراءة،لكن الذبابة نزلت قرب جفني وكأنها تريد منعي من ذلك .لوحت بيدي ،طارت ، تابعتها بعيني ، اختفت ثم عادت لتحط فوق ركبتي..ذبابة فيها من الزرقة ما يجعلها تتميز عن باقي الذباب.حاولت إبعادها، اختفت من جديد ثم عادت لتحط فوق أنفي، لوحت بيدي مرة أخرى، بسرعة البرق اختفت، لكنها سرعان ما أعادت الكرة..مرات عديدة وأنا في صراع معها،توترت أعصابي .ياللعجب ! لماذا هذه الذبابة الآن ، خصوصا وأني وصلت عقدة الرواية ؟ صممت على إتمام قراءتي مهما كان.قررت تغيير المكان، ربما هناك شيء ما يجلبها.توجهت نحو كرسي آخريبعد بحوالي بضعة أمتار، قريب من حارس الحديقة الذي ظل يرقبني طوال الوقت وهو يكنس أوراق الأشجار الميتة، جلست دون نفض الغبار،التفت يمينا ويسارا،ليس هناك شيء سيمنعني من استيعاب ما أقرأ سوى نظرات هذا الشيخ. لكنه لن يفعل بي ما فعلته الذبابة اللعينة .فتحت الكتاب ، فإذا بنفس الحشرة تحط من جديد فوق خدي .آه لو كانت في بيتي ! لأغلقت الأبواب والنوافذ لأطاردها أينما حطت ! ربما أفرغ عليها كل مبيدات الدنيا !.
أصبحت في حيرة من أمري، أأغادر،أم أستسلم لهذه الحشرة القذرة ؟ فكرت مليا ،لابد من إتمام روايتي لأن الكتاب استعرته ولابد أن أعيده إلى صاحبه مساء اليوم ،قررت أن أتابع واستسلمت لها ، تركتها تصول وتجول على وجهي وكأنها تبحث عن شيء لم تجده في مكان اٌخر..المهم أن أتمم قراءة الرواية.
اقتربت من خيشومي ، دخلت ،لفت كما شاءت ،أحسست بمغص في أنفي فعطست ،ثم عطست..لكن هذه المرة
اشتد غضبي ،انقلعت من مكاني وصحت : أف !. حينئذ اقترب الشيخ مني وقال:
-لم أشمتك يا ابني ، لأنك لم تقل الحمد لله ، أعرف أن عطستك كانت غير عادية. انظر إنها سقطت من أنفك كالخرطوشة !
أشار إلى الذبابة برجله وهي ساقطة على الأرض وقد اختلطت زرقتها بصفرة مادة لزجة وقال لها :
-هذا جزاء من يخدش زغب المناخير !