خمسة في القسم وخنشة في الطاولة
[IMG]http://www.************/vb/images/no.jpg[/IMG]
هشام منصوري
Sunday, November 16, 2008
لم أستطع مغالبة الدموع، وأنا أتابع تدخل المُعلمة نجوى في حلقة برنامج "الوجه الآخر" ـ التي بثتها القناة الثانية مؤخراوالتي تطرقت لأزمة التعليم ـ فالمسكينة تعمل في منطقة أيت أورير، وزوجها بتزنيت، فيما "تعيش" ابنتهما الوحيدة عند أهل الزوجة بالراشيدية.
وبقدر ما أصابتني الحلقة بخيبة أمل، بقدر ما أراحت قلبي، عندما تأكدت وجود أناس يتنفسون حب الوطن رغم كل معاناة. التحقيق جعلني أيضا أكتشف مدرسة مغربية تُنافس تركيبة شامبوان بري بلوس اثنان في واحد شامبوان ومُلين، عن طريق وصفتها السحرية ثلاثة في واحد. لكم أن تتخيلوا المعلم المسكين وهو "يعبئ" ثلاثة أطفال في مقعد واحد، وهادشي "ماجيك ماشي لوجيك"، مع اعتذاري طبعا لاتصالات المغرب.
تصوروا معي مِحنة التلميذَيْن الجالسَيْن على حافتي المقعد والمهددين بالانزلاق في أية لحظة والسقوط إلى القسم الوطني الثاني. وتصوروا معي أكثر معاناة التلميذ الأوسط الجالس مباشرة على الصفيحتين المعدنيتين الصلبتين والباردتين. بهذه التشكيلة يجب أن لا نتفاجأ سنة 2030، إذا نزلت علينا إحصائيات طبية تفيد بأن ثلت المواطنين المغاربة مصابون من العقم والبرود الجنسي والثلثين المابقيين يعانون من العرج وآلام المفاصل.
من جهة أخرى يجب، وفي حال لم يتغير الوضع، أطالب بإعفاء هؤلاء التلاميذ من اجتياز امتحانات السياقة، عندما يبلغون سن الرشد، لأن البقاء في الطاولة وحفظ التوازن لسنة كاملة، بدون حوادث تذكر وفي غياب أحزمة سلامة، يستحق جائزة من هذا النوع. وعلى ذِكر السياقة أحمل للسيد اخشيشن اقتراحا "أملساً"، يمكن أن يساهم في التخفيف من الاكتظاظ ونسبة الهدر الذين تعرفهما مدارس سراق الزيت. تقتضي الفكرة إلحاق كل الأقسام التي تجاوز عدد التلاميذ داخلها الخمسين بوزارة النقل، ففصولٌ من هذا النوع لا تنقصها سوى العجلات لتتحول إلى حافلات.
ومن باب الاقتراحات دائما أعتقد أن عملية تعويض تسمية "البرنامج الاستعجالي" ب"البرنامج الاستعطالي" من شأنها توضيح الرؤية في الظلام، مادامت النتائج لن تظهر في فترة رئاسة الوزير الحالي ولا قبل 15 سنة من الآن. السيد الوزير برر ذلك في إحدى خرجاته الإعلامية بكون الزمن المدرسي ليس كالزمن السياسي. طيب يا سيدي، إذا كان الزمن المدرسي ليس هو الزمن السياسي كما تقولون، فلماذا تخلطون أمامنا كل يوم بين التربية والتكوين وبين السياسة والتلوين حتى اختلطت علينا الدفاتر والمُذاكرة بالأصالة والمعاصرة؟ ولماذا تريدون أن تجبرونا على العيش بين هذين الزمنين، فلا نحن في النهاية أنقذنا المدرسة بالسياسة ولا نحن أصلحنا السياسة بالمدرسة؟ من جهة أخرى أتساءل من سيدفع تكاليف هذا الإصلاح والتي قدرت ب 43 مليار درهم، إلا إذا كنا سنصلح التعليم ببرامج من قبيل المليون محفظة والمليون منجرة. ماذا يمكن أن تفعله مدرسة تحتاج الطاولات بمحفظات يا ترى.. ربما لتكديس العدد الفائض من التلاميذ داخلها. المليون الوحيد الذي ستصنعه بدون شك هذه التقليعات هو مليون مقبرةٍ يُدفن فيها الفكر والإبداع والابتكار..وغيرها.. إلى غاية القيمة الإنسانية رقم مليون.. والذين صمموا برنامج المليون هذا، مُلِمُّون جيداً بنفسية الفقراء، فكلمة المليون توحي بالمليون سنتيم أكثر من مليون حقيبة أو مليون سنة أو مليون لتر مكعب، والمؤسف له أن عددا كبيرا من هذه الحقائب سُرق فيما وزعت نصف البقية على فئات غير محتاجة.
أنا أتعجب لما سيفعله هؤلاء اللصوص ـ الذين ينهبون هذه التجهيزات البسيطة ـ بالميزانيات الضخمة إذا ما أقدم المغرب يوما على تطبيق شعار اللامركزية فعليا في التسيير المالي.
في السنة الماضية حكى لنا أحد المدراء أنه توجه إلى نيابة التعليم لتسلم تجهيزات لمختبرات المؤسسة بعدما تلقى اتصالا يفيد ذلك، وعندما وصل صاحبنا إلى عين المكان فوجئ بعلبة صغيرة تحوي داخلها قارورات وأنابيب، وحبل، فعلّق أحد الظرفاء الحاضرين بأن وجود الحبل ربما دعوة صريحة للإنتحار؛ مشنقة هدية لكل من يرفض الوضع، فأجابه المدير فوراً: "لقد كان قصيرا جدا مع كامل الأسف!!".
ختاما، وكغيري من المواطنين المغاربة، استقبلت خبر الدخول المدرسي الأول لولي العهد باهتمام وفرحة ممزوجين بالكثير من بالتحليل والمقارنة. وإذ أتوجه بالتهاني الحارة للأسرة الملكية، فإني أتوجه إلى وزير التعليم بأن يرقى لمستوى طموحاتنا وينحو نحو المدرسة المولوية، فخمسة في القسم مقابل ثلاثة في الطاولة ليس عدلاً أبدا !!
سيدي الوزير نطالبكم بالتدخل ابتداء من الموسم الدراسي وإحقاق نوع من المساواة، عن طريق تنفيذ معدل خمس تلاميذ في الطاولة الواحدة !!
مدونة سراق الزيت
www.srakzite.c.la