أعدى الأعداء
يا أيُّها الناسُ، لو تعرفونَ ما جرى لي، إذن لعذرتموني!
لقد أدخلتني، وغلّقت الأبوابَ، وقالت: " هيتَ لك " قلتُ: " معاذ الله ، إنّه ربّي أحسن مثواي " قالت لي: اكفُرْ! قلتُ: لقد كفرتُ بالطّاغوت، وآمنتُ بربّ الملكوت والجبروت. قالت: ويحَكَ يا فتى، أوَ كلّما جئتُك من بابٍ أوصدتَهُ في وجهي ! إنّه بحرُ العُشّاقِ، فادْنُ منّي يا عشيق. قلتُ: بل بحرُ الغَرْقى، ولستُ بغريق! قالت: من أيّ الناسِ أنتَ؟! هاتِ قلبَكَ أملأهُ شوقاً وتحناناً. قلتُ: إنّ قلبي مملوكٌ، فيه حبيبٌ ليسَ لي سِواه، أعطاني من كُلّ شيء، وقد حذّرني منكِ أنتِ، ومن هواكِ! قالت: إن لم تفعل ما آمرك به لأعُذّبنّكَ، عذاباً أليماً، ثم لأسجُننّكَ أعواماً! قلتُ: " رَبِّ السجنُ أحَبُّ إليّ " ممّا تدعوني إليه.. فقضى ربُّكَ أن تزجّني في السجن.. فوجدتُ فيه فتياناً لقوا المصيرَ نفسَه ! قال أحدُهم: " إنّا نراكَ من المُحسنين " فافتِنا في رُؤيانا. قلتُ: " يا صاحبي السجنِ " أأربابٌ متفرّقةٌ خيرٌ أم إلهٌ واحدٌ فردٌ صمد؟!
لقد تركتُ من ورائي أقواماً كتبَ عنهم التاريخُ أسوأ ما يُكتب! فاتّبعتُ ملّةَ سيّدنا إبراهيمَ حنيفاً وها هو جمرُ ديني في يدي أقبضُ عليه! فقالَ: إنّي أرى " سورة الواقعة " وحولَها الرسلُ جميعاً! قلتُ: " سورةُ الواقعة " فيها عذابان لم يُعذّبْ قومٌ بمثلِهما: خَسْفُ الأرضِ، وإرسالُ حاصِبٍ من السّماء، " وهي تمور " و " يوم تمور السّماء مَوْراً " أمّا الرسلُ كلّهم؛ فعالمُنا اليومَ اجتمعت فيه كلّ الأقوامِ التي مرّت، وزيادة !
وقال آخرُ: إنّي أرى البيوتَ بلا سُقوف، والمدارسَ بلا أبوابٍ ولا رفوف، ودرباً طويلاً فيه الخُسوفُ والكُسوف! قلتُ: فأمّا البيوتُ بلا سُقوف: فلقد ضاعت تربيةُ السّلف، وأسرَفَ من بعدهم الخَلَف! وأمّا عن المدارسِ : فقد ضاعَ تعليمُ السلَف، واتّبعْنا كلّ ما تَلَف! وأمّا الدربُ الطويلُ: فهكذا دواليكَ في كلّ مجال، وإنْ لم ننتَهِ لَيَحلّنّ بنا أمرُ الله!!
قال السلطانُ: إنّي أرى الناقةَ تطير، والنسرَ يحبو، والسمكَ يسيرُ في البرّ، والبعيرَ يسبحُ في البحر! " أفتوني في رؤيايَ إن كنتم للرؤيا تعْبُرون، قالوا: أضغاثُ أحلامٍ "! وقال أحدهم: كان معي في السجن – وقد رجاني أن أذكره عندَ صاحبي ، فأنساني الله بضعَ سنين، لأنه رجا العبدَ ولمْ يرجُ الله -: " أنا أنبّئكم بتأويله فأرسلون "، فلمّا جاءني " بنبإ من سبإ " قلتُ: لو استقامَ الناسُ على الطريقةِ المُثلى لرزقهم اللهُ ماءً غَدَقاً، ولرزقهم من فوقِهم ومن تحتهم، و" ليركبنّ طبقاً عن طبق " لأن الحبيب – صلّى الله عليه وسلّم تسليماً – ما احتاج لـ ( شلنجر ) ولا لـ ( أبوللو ) ولا للأطباقِ الطائرة ليعرجَ بها إلى السماواتِ العُلا، بلِ احتاجَ إلى " خُلُقٍ عظيم "... هذا تأويلُ ما جئتني به. فدعاني السلطان ليستفسرَ منّي، فَنَطَقَتْ أعدى الأعداء: " الآن حصحصَ الحقُّ، أنا راودتُهُ " فاستعصَمَ... إنّها صاحبتي طولَ العمر!
والآنََ " حصحصَ الحقُّ " لتعرفوا مَن هي أعدى الأعداء... إنها النفسُ!
ومَنْ هو – و ليسَ سِواه – حبيبُ القلوب... إنّه الله، سبحانه وتَعالى...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: هذا الموضوع ليس له علاقة مع قصة سيدنا يوسف، لا من قريب ولا من بعيد، فقط توظيف الكلمات، والاقتداء بالقالب القصصي.
بقلم: علاوي ياسين