بوعرفة فيي : 4 فبراير 2009
بقلم الداودي عبد الله مأساة غزة ، أو دير ياسين مرة أخرى
[email protected]
اشتغلت مع الجيش الألماني لمدة خمس سنوات خلال الحرب العالمية الأولى ولم أر ما رايته في دير ياسين ، هذا ما قاله طبيب الصليب الأحمر الدولي و هو يتحدث عن المجزرة الشهيرة التي اقترفها أجداد أولمرت و رابيين وليفني ضد أهالي القرية الفلسطينية الآمنة . حدث هذا منذ أكثر من ستين سنة ، ويحكي تاريخ القرية أن المجزرة التي اعتبرت أبشع جريمة ضد الإنسانية في ذلك العصر وقعت ذات يوم عندما ذهب اغلب الرجال لمآزرة إخوانهم في القرى المجاورة. و قد استغل الصهاينة الجبناء تلك الفرصة ، تسللو إليها تحت جنح الظلام قبيل الفجر وهي بعد نائمة ، فهدموا البيوت ، ومارسوا أبشع أنواع التقتيل ضد الأطفال و النساء والشيوخ ، وعاثوا في الأرض فسادا وخرابا.
يحكى عن بعض الناجين أن المجرمين كانوا يلقون الجرحى مع جثث الشهداء في الآبار ،ويتركونهم يئنون و ينزفون حتى الموت، كما قال آخرون أنهم رأوا أطراف النساء والفتيات من أرجل وأيادي وحتى أصابع ملقاة على الارض بعد ما انتزع منها ما كان يزينها من حلي. لولا تلك الشهادات و غيرها ما عرف العالم شيئا عما جرى ذلك اليوم.
إن ما تسرب يومها من مسرح الجريمة عبر شهادات الناجين بقي محدود ا ، ولم يحمل إلا جزءا من الحقيقة، أما الحقيقة كاملة فلا تزال طي الكتمان حتى اليوم .
لم تكن وقتئذ منظمات إنسانية أو هيآت دولية أو على الأقل لم تكن لديها الإمكانيات التي تتوفر عليها اليوم .. لم تكن هناك صحافة أو إعلام متطور. لم تكن وسائل الاتصال الحديثة . اختلى المجرم بضحيته وحدث الذي حدث .
انتشرت أخبار المذبحة في مختلف القرى الفلسطينية وانتشر معها الرعب والفزع وبدء المواطنون ا في النـزوح عن أرضهم. وكان للصهاينة ما أرادوا .
دير ياسين تكاد تكون اليوم مجرد حفريات في الذاكرة الإنسانية ، اغتصبها الصهاينة ،شيدوا عليها مستوطناتهم ، وصار لها اسم آخر : جفعات شاؤول .
لم أر في حياتي ما رأيته في غزة هذا ما قاله الطبيب النرويجي الشهير وهو يصف الفظا عات التي خلفها العدوان الصهيوني الأخير على غزة نفس الشيء قاله الطبيب المغربي وغيره من الأطباء الذين شهدوا هذه المأساة الإنسانية. هاهو التاريخ الصهيوني القذر يعيد نفسه. لكن هذه المرة أمام أنظار ومسامع العالم. هاهي نفس الجرائم ترتكب أمام كاميرات الصحفيين بل أمام أعين المنظمات والهيئات الدولية. وحتما فان العالم – هذه القرية الكبيرة - كان شاهدا على الجريمة.
نقلت القنوات الفضائية و الهواتف وشبكات الانترنيت حقيقة ما جرى إلى أقصى بقاع الأرض. وصلت أدق التفاصيل بالصوت والصورة إلى كل مكان ، حتى نداءات الاستغاثة وصلت إلى كل مدينة وكل بيت . وحتما لن يجد الناجون ما يحكونه من شهادات .
و المقصود عند الحديث عن القنوات هو قناة الجزيرة ،التي أكاد اجزم انه لولا ها ما عرف العالم حقيقة ما حدث( رغم انه لدي مآخذة هي.من قبيل العتاب الودي للجزيرة مفادها : لماذا لايعمد المخرجون إلى وضع شريط غير شفاف أمام أعين القادة الصهاينة او الحكام العرب المتواطئين عندما يظهرون على الشاشة تماما كما جرت به عادة التعامل مع صور المجرمين ؟ ).
واذا كان الشيء بالشيء يذكر فان القنوات المغربية لم تذخر جهدا في ممارسة مختلف أنواع التعتيم على من تبقى لها من مشاهدين ، و أسوق هنا بعض الأمثلة عن مظاهر هذا التعتيم /المآمرة : لقد لاحظ المتتبعون انه بينما كانت القنوات الجادة عبر العالم منشغلة بمأساة عائلة السموني، تلك العائـلة الفلسطينية الـتي سقط سبعون من إفرادهـا بين شهيد وجريح في غزة ،كانت قناتنا الثانية تدعو إلى الإقبال على مشاهد الفكاهة والمرح مع عائلة بنزيزي في السيتكوم المشؤوم للا فاطمة . وبينما كانت قناة الجزيرة تحصي أفواج الشهداء كانت القناة المغربية تحصي حلقات المسلسلات الترفيهية المدبلجة.
و لا يفوتني في هذا المقام أن اذكر بكثير من الألم انه بينما كانت الأسر المغربية تعيش ما يشبه الحداد يوميا كانت قنواتنا تعرض ما أتيح لها من مشاهد الرقص والغناء.و الفكـاهة و الضحك .
خلال العدوان على غزة طالت آلة الحرب الصهيونية مرة أخرى الأطفال والنساء والشيوخ ، طالت البيوت والمساجد وحتى المقابر و المستشفيات وكان الهدف هو الهدف رغم تغير الزمان والمكان و كانت أداة الجريمة هذه المرة هي طائرات ف 16 ، وحلت القنابل الفسفورية محل الرصاص.
رأى العالم صورا تنطق بشاعة ..رأى الأشلاء رأى الأرجل والأيادي والرؤؤس الصغيرة رأى الدم الطازج المراق في كل مكان .
سمع العالم استغاثة نساء محاصرات. سمع العالم استنجاد الشيوخ تحت ال*** وسمع صرخات أطفال يواجهون خطر الموت.
تألم العالم للطفلة الحسناء التي بترت أرجلها وهي في عمر الزهور.
بكى العالم لبكاء الأب الذي وقف مصدوما لرؤية جثث صغاره ممدة جنبا إلى جنب. بكى العالم وانتحب لبكاء الأم الجريحة وهي تواسي ابنها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.
لكن أهل غزة ظلوا لوحدهم يواجهون النار والحصار.
بعد كل ماحدث وكل ما سيأتي، ترى هل سيحافظ من بقي حيا من أهالي غزة على صمودهم ؟ هل سيفشل المخطط الصهيوني في تهجير هم عن أرضهم ؟ أم ستخلو ارض غزة الطاهرة للمستوطنات الصهيونية كما خلت من قبلها ارض دير ياسين.
الداودي عبد الله
[email protected]