الحـــــــلقـــــــة 10
أنشطــــــة ليلــــية
كان فصل الشتاء على الأبواب،تغير الجو فجأة من حار جدا، إلى بارد جدا، برودة سيبيريا وزيادة ليلا، لم تنفع معه الأغطية التي كانت بحوزتي،اضطررت أن أستعير أغطية من بعض الأسر لإضافة بعض الدفء المفقود أصلا في الحجرة،الحجرة التي أعيش فيها ،أثاثها كله طاولات:
السرير من الطاولات ، المكتب من الطاولات، مائدة الأكل من الطاولات والمطبخ على الطاولات
و مطبخي من أبسط المطابخ في الدنيا:قنينة غاز صغيرة،براد، طاجين، ملعقة ، سكين ،كأس،قنينة ماء، مقراش ذو استعمال مزدوج:إعداد الشاي،وأغراض ما بعد قضاء الحاجة . . .
،المرحاض كمصطلح أو كتعريف غير وارد هنا، كل ما هنالك : الخــلا
شأني في ذلك شان جميع أساتذة المجموعة ، مع بعض الاستثناءات طبعا،أضطر لحمل مقراشي أبحث عن" الخلا "المفروض، قد اعثر عليه بالقرب من الحجرة،وإذا التقيت صدفة أحدهم تظاهرت أني أتمشى بالرغم من أن المقراش يفضحني،والوقت ليس وقت تمشي, نخجل من بعضنا إذا كان تواجدنا لنفس الهدف ، نضطر على إثرها تحاشي السلام والكلام ،قد لا أعثر على مرادي أحيانا إلا بعد قطع مسافة نصف كلم تقريبا، متحديا العقارب والحشرات السامة، خصوصا ليلا، لكن الله ستار، ؟ ينفعني المصباح اليدوي،الذي لا يفارقني، حتى في منامي ، أضعه بجانبي
قضاء الحاجة في الطبيعة أمر أملته الضرورة، محفوف بالمخاطر خطر الثعابين.
ألم يخطر ببال الوزارة بناء سكن لائق للأستاذ بجميع مرافقه، يناسب حجم رسالته التربوية؟ أم أنه لايستاهل مرحاض حتى؟ ؟يستره و يحفظ كرامته وآدميته؟، فإذا كانت الوزارة قد أهدرتها، والحالة هاته ؟ فكيف يمنحها له السكان؟أسئلة مشروعة ظلت تراودني طيلة مقامي، وخلصت بأن القيمة التي لا تمنحها لك الجهة المشغلة، لا تنتظر أن يمنحها لك الطرف الآخر
تتوزع أنشطتي في البيت،بين إعداد الجذاذات والتصحيح،وإعداد الشاي الذي يتناسب كثيرا مع سجائر" كازا "التي كنت أدخنها بدون توقف،علبتين في اليوم، كنت أعتقد أن التدخين يساعد على التركيز ويحث الذاكرة، يضفي ضوء الشمعة الخافت طابعا رومانسيا يدفعك أن تسرح بخيالك مع من تحب ، عالم قيس وليلة،
فإذا أعياني التفكير، أطفأت نورها،وألقيت برأسي على المخدة ، حينها تبدأ حياة جديدة صاخبة ،حياة الفئران، تقضي الليل كله تلعب تيكشبيلا تحت الطاولات ،لا أعرف من أين تخرج ؟ أتنزل من السقف؟أم تخرج من الشقوق؟ أم تطلع من الأرض الكثيرة الحفر؟من كثرة ما كنت أتقاسم معها الحجرة والماء والملح، أصبحت أعرف أنشطتها ولغتها،
فحين يكون صراخها مسترسلا حادا، أعرف أنها تتصارع حول السيادة، أما إذا خفت الصراخ وأضحى متقطعا، وتحول إلى ما يشبه الهمهمة أو الهمس، قريب من الأنين، أعلم أن القضية فيها: إن، بين الذكور والإناث،استمتاع لا محالة، وصوت من داخلي يناديني:
ـ العن الشيطان، و نم يا سي الأستاذ،العطلة اقتربت ،وسوف تذهب إلى المدينة وتجد أحبابك في انتظارك أكثر شوقا منك، متى كنت تعرف لغة الحيوان ؟لا شك أن ما اعتراني هو مقدمة هلوسة، شبيهة بتلك التي أصابت الأستاذ السلاوي من قبلي.قبل أن يعلن رسميا : أحمق ، من طرف الفقيه. تقلبت على جنبي الأيمن، غطيت رأسي، وخلدت للنوم.